أقلامهم

منى العياف تطالب جريدة القبس بأن تظهر أدلتها حول الإيداعات المليونية

الشوق عود (2)


منى العياف


طرحت في مقالي المنشور بالأمس تساؤلات عديدة حول قضية الحسابات المصرفية التي فجرتها احدى الصحف المعروفة، وأبدأ تساؤلاتي: كيف تقوم هذه الصحيفة وتتهم السلطتين بالتورط فيها، دونما دليل أو مستند؟ ولماذا لم تكشف عن هذا الدليل؟ في تقديري ان الصحيفة مطالبة بالإجابة عن هذا السؤال لأنه إذا كان هناك من أعطاها مستندا فهو متورط وإذا كان لديها مستند ولم تكشف عنه وعمن أعطاها إياه فهي متورطة معه!
«الشق عود» هنا، لأن القضية تجاوزت مسألة حسابات نواب تضخمت الى مسألة سمعة النظام المصرفي الكويتي! لكن الأخطر من هذا أن القضية أخذت منحى آخر، واستخدمت للقصاص من الحكومة وممن قد تكون لهم خصومة مع وزراء، فقد راح البعض من هؤلاء يطالب بالكشف عن أرصدة النواب والوزراء دونما أي اتهام ودونما أي قضية، ناس تحاول استباحة أسرار آخرين لمجرد انهم خصوم لهم في الرأي والموقف، حدث هذا على مدى الشهر الماضي، وحاول البعض إيجاد تأصيل سياسي أو أخلاقي لهذا الإجراء، دون ان يفكر في انه يعتدي على حقوق الآخرين وعلى القوانين، وعلى الجهاز المصرفي نفسه، وفي النهاية ضرب سمعة الكويت كلها، وتقديم مسوغات لاتهام أجهزتها المصرفية بأبشع الاتهامات، من عمليات غسيل الأموال إلى عدم احترام حقوق وأسرار العملاء والمودعين!


***


والمشكلة اننا وجدنا ان الصحافة راحت تستخدم هذه المادة السياسية في تسخين الأجواء وإشعال الصراعات السياسية، فقد راحت كل صحيفة حسب موقفها السياسي تنحو بالقضية منحى شخصيا يتفق مع أهدافها ومصالحها، وعلى سبيل المثال راحت إحدى الصحف تستخدم القضية للمطالبة بالإسراع بحل مجلس الأمة! كان هذا صادما، فالطرح هنا شخصي جدا في قضية وطنية!


بينما أخذت صحيفة أخرى منحى آخر وهو محاولة النيل من رئيس الحكومة، فقد وجدت في إثارة هذه القضية فرصة لابتزازه، رغم عدم إثبات تورط الحكومة إلى الآن، لكن اثارة القضية وربطها مع المصروفات السرية، وشيكات النواب، يتيح لها الفرصة لإعادة انتاج خطاب انتقامي من الحكومة ورئيسها، هكذا، كل يغني على ليلاه، ولا عزاء للكويت وسمعتها، هكذا غاب العقلاء، وحضرت الاتهامات والتشكيك وضرب القيم!


وفي الحقيقة، مادامت القضية تتعلق بسمعة الدولة فيجب ان تؤخذ بمنتهى الجدية من جميع السلطات، ويجب إخضاع جميع الأطراف للمساءلة وبافتراض ـ ان صح القول ـ وجود حسابات لنائبين بالملايين فهذا لا يعفي ان البنك متورط، وعليه ان يخضع للمساءلة لأنه بهذا لن يكون قد فقد ثقة عملائه فقط، بل أصبح من الحق مقاضاته، لأنه كشف عن سرية الحسابات دونما مسوغ قانوني كما ذكرنا وانما على المساهمين في هذا البنك أيضا ان تكون لهم كلمتهم بعد ان وجدوا أنفسهم طرفا في صراع مع الجميع لم يدخلوه من الأساس ولم يسعوا ليكونوا طرفا فيه!


***


الأخطر من هذا كله هو ان المؤسسة التشريعية التي استمرأت الاتهامات دون إثبات أو سند قانوني، لم تسأل نفسها بعد الأسئلة الصحيحة وتتحمل مسؤولياتها، فدعوني أذكركم بان هناك قوانين مهمة مثل مكافحة غسيل الأموال ومكافحة الفساد، كانت على جدول أعمال المجلس منذ 1996، والآن نحن في 2011 لم ينظر لها! والغريب انه خلال العام الماضي في الفصل التشريعي الثاني عشر لم يكتمل نصاب الجلسة التي كانت ستناقش هذه القوانين! فعلى من تتوعدون وتزبدون؟!


يا جماعة الخير.. علينا أن نعترف بأن هذا «الشق العود» بحاجة الى «رتق»، فنحن نتحدث هنا عن الكويت وعن سمعتها والمطلوب في المرحلة المقبلة هو ان يتم التوافق حول اولويات العمل الوطني، حقيقة لا مجازا وان يتم مناقشة القوانين المهمة التي تحمي سمعة الكويت وجهازها المصرفي وسمعتها الاقتصادية لأن ما علق بثوبنا يكفي ولأن الفساد اليوم موجه ليس فقط للسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وإنما للنظام المصرفي المخترق!


أما التفويض الذي منحه النائب محمد المطير للبنك المركزي بالكشف عن تفاصيل ذمته المالية منذ فوزه بعضوية مجلس الأمة وحتى الآن، فإننا على الرغم من نبل الفكرة، إلا أن هذا التفويض لا يمكن تنفيذه، فوفقا للمادة 111 لا يجوز ذلك، إلا في حالة حدوث الجرم المشهود، فتتخذ بحق العضو اجراءات، كالتحقيق أو القبض أو الحبس، وكل هذا بعد إذن المجلس.


أخيرا: المطلوب من الحكومة والمجلس التشريعي تبني مشروع قانون متكامل لمحاكمة الفساد، على ان يشرك اتحاد المصارف في وضع مواده، وليس قانونا يفصل على مقاس البعض دون الآخر!


.. والعبرة لمن يتعظ!