أقلامهم

خلود الخميس: إليزابيث ملكت فقط. و «جماعتنا» ملوك ويحكمون

مُلْك إليزابيث.. وحكمنا!
 
خلود عبدالله الخميس
 
خرج البريطانيون للشارع. يجددون الولاء لإليزابيث منذ ستين عاماً. ويقولون الشعب يريد إبقاء النظام!
بالطبع الأمر لا يتطلب عالما ليعلم أن الشعوب تقبل فكرة الملوك وترفض الحكام، لأن النظام الملكي يعكس مفهوم الفخامة عند العامة ويضيف على الدولة «بريستيج». نعم هكذا يفكر الناس! 
فالملك -في الملكيات الدستورية- يخرج للشعب في المناسبات الوطنية والبروتوكولية وهو الرمز. والحاجة لقائد هي فطرة لدى المخلوقات عامة. والإنسان كفرد يحتاج إلى رب لبيته. والشعوب كجماعات تحتاج لقائد. ولكن نوعية المهمة التي يقوم بها القائد هي مربط الخلاف دائماً لتباين المهمة من مسؤولية وملك، إلى مسؤولية وحكم!
في بريطانيا لم يصل نظام الحكم إلى ملكية دستورية على أطباق لؤلؤ ومرجان، بل كانت المقاصل والرقاب هي الشاهد على التضحيات المتشحة باللون الأحمر القاني، والتي نتج عنها تغييرات بطيئة. وبدرجة بطئها كانت سرعة الحاجة للحفاظ على تماسك الدولة. وبقيت أزمات بريطانيا وأيرلندا وكلكم يعرف ذا التاريخ ولا نريد أن نسهب به هنا وله مقام مختلف.
ولكن ما دفعني لكتابة هذا المقال، حجم الإعجاب والتغزل بالتجربة البريطانية. وكيف أن الملكة إليزابيث الثانية محبوبة والشعب يخرج للشارع محتفلاً بمرور ستين عاماً على تقلدها العرش. والحقيقة أن الشعب بالفعل لا يحتفل بالملكة كشخص ورمز فقط، بل يحتفل بما بلغته بريطانيا عبر وجود ملكية لا تحكم، من استقرار للشعب الإنجليزي. ولا ننسى أن الملوك السابقين كانوا يحكمون فكانت النتائج حروبا وموتا ودمارا واحتلال دول أخرى وفرض السيطرة ونزاعات إقليمية ودولية وتصفيات عرقية ومذابح دينية بين المسيحيين أنفسهم. وباختلاف كنائسهم، وشراسة يسطرها التاريخ بهولها وبذهوله!
فالشعب الذي يحتفل في نهر التايمز من حقه أن يفرح بالوئام الذي بلغته المواطنة البريطانية. وحجم التركيز على السياسة الداخلية الذي صار قضية الحكم بتحوله تدريجياً ليد الشعب عبر الأحزاب السياسية والمجالس المحلية ومجلس اللوردات بالإضافة لجماعات الضغط الممثلة بالنقابات العمالية والمهنية والحقوقية وغيرهم.
التغيير السياسي يسبقه التغيير الاجتماعي والأخير لا يكمل دورته إلا بربع قرن بناءً على دراسات علماء الاجتماعات ودراسات السلوك البشري. والشعوب التي نرى تقدمها ونتباكى على تخلفنا، لم تقدم لها الدولة بل هي انتزعتها بالإيمان بفكرة الدولة التي تقوم على حقوق متساوية للمواطن، وعدالة في توزيع الدخل، وخدمات تليق بمقدراتها.
كما أن الملِك يجب أن يحمى بعيداً عن استباحة السياسة لتفاصيل الحكم الذي يتطلب اتخاذ قرارات تتعلق بالشعب وبالسياسة الخارجية وبإدارة البلاد. وبالطبع لا يتفق الجميع على تلك القرارات أو أسلوب إدارة البلاد فيصبح الحاكم السياسي عرضة للشارع بحسناته وسيئاته!
وبالحراك الاجتماعي تحركت الثقافة السياسية، واستجابت ثقافة الحكم لإرادة الشعب بتسلم الحكم وترك الملك للتلويح والابتسام والعيش ببذخ، على أن تحفظ مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية له كرامته، وتدعو له بالصلوت، وتحمي وجوده واستمرار ملكه!
ولذلك فإن الشعوب التي تدعو الله في إفاقتها ومنامها أن نتحول في الخليج إلى ملكيات دستورية، يجب أن تعلم أن ثقافة الحكم للشعب بحد ذاتها لن تتكرس عبر عقليات لا تزال تتمترس بالقبيلة والطبقة والمذهب والفئة!
حتى نتشدق بملكية دستورية تجعل من حكامنا رموزا، ومنا حكاما عبر الأنظمة السياسية. يجب أن نراجع فقه العدل والحق الذي تمنحه المواطنة المتساوية!
وكيف ذلك ولا يزال المواطنون درجات دنيا وعليا! وهذا مثال صغير. وهناك كثير من الأسباب التي تجعل تشبهنا في ملكيات الخليج بملكيات دستورية ضرب أحلام. ما لم نبد للدولة من أنفسنا خيراً!
لا أدري ما القول الصحيح في حالنا، هل هو «كما تكونوا يولّ عليكم» أم «الناس على دين ملوكهم»؟! 
ولمن أعرف أن الملكية الدستورية تكسب عيشها من مخصصات محددة تمنحها إياها الحكومة. والملكية الحاكمة تريد أن تبقى الخزائن ملكها والشعوب تأخذ مخصصات محددة منها. أعرفتم الفرق؟
إليزابيث ملكت فقط. و «جماعتنا» ملوك ويحكمون. وأترك لإبداعاتكم اكتشاف البقية!