سعود السبيعي
الجنود المرتزقة
تعددت أسماء الجمع في الآونة الأخيرة: فمن جمعة الغضب، الى جمعة الرحيل، وجاءت بعدها جمعة الرد التي خيبت آمال منظميها، وأخيرا جمعة الوثيقة والمقرر النفير لها اليوم في ساحة «القرادة»، وستأتي الجموع الى الساحة أفرادا واسرابا وهم في كل الاحوال لا يزيدون عن حمولة 10 حافلات سعة 40 راكبا.
ولا ادري من هو ذلك الرجل المتخصص بإطلاق هذه الأسماء على تلك الجمع، ولا اعلم من هو العبقري الذي يؤلف الصيحات للشباب على وزن «بستك نو يا بستك نو الليلة الليلة حاناكل الجو» والذي فاق الخليل بن احمد الفراهيدي في أوزانه وبحوره الشعرية. في جمعة الوثيقة التي تصادف هذا اليوم لن يكون هناك جديد يذكر، والسيناريو المتوقع هو ظهور النائب احمد السعدون على الجمهور يصحبه تصفيق حار وأهازيج ملونة، وينظر اليه الجمهور على انه مبرأ من كل عيب كأنه خلق كما يشاء، ثم يتلو اسماء 16 نائبا ممن وقّعوا على الوثيقة ويصفهم بالاحرار الفاتحين، وبعد انتهاء «نمرته» يختفي في الزحام يصحبه ذات التصفيق الذي قوبل به، ويأتي بعده احد المبشرين بالجنة ويعيد ما سبق أن قاله السعدون مع اضافة بعض الرتوش من باب لزوم الشيء، طبعا ما بين المتحدث والآخر فاصل حماسي تخرج خلاله طفلة او طفل من بين الانقاض البشرية، تطلق خلاله بعض الهتافات الشعرية التي ألفها السيد جمعة افندي شاعر الجمع والانتخابات، ويصفق الجمهور بحماس مصطنع منقطع «المصير»، ثم يعلن عريف الندوة بعد ذلك انتهاء «الوصلة» بعد ان يفرغ من حنجرته وابلا من كلمات التهديد والوعيد، ثم يطلق اسما جديدا للجمعة القادمة طالبا من الجميع الحضور، وينفض المولد دون علم ينفع أو فعل يشفع، ثم يولون الادبار تاركين غبار آثارهم وفراغ صيحاتهم تغلف أرجاء المكان وكأنهم جنود في الجيش البلشفي تلقوا أوامر القيادة بالانسحاب.
كل هذا المشهد سبق للناس ان عرفوا محتواه ومضمونه، فالجميع قرأ فحوى الوثيقة واطلع على اسماء الكتل الصديقة الموقعة عليها في كل وسائل الاعلام قبل اسبوع من موعد هذا التجمع الميمون، وهي ذات الاسماء التي قطعت الحبل في الشيخ احمد الفهد وخدعوه حين اوهموه بولائهم بعد ان فتح لهم الابواب الخلفية للحكومة وشرع لهم النوافذ المغلقة، فقد خدعوا سمو الرئيس من قبله بقولهم اصلاحي، والوزراء يغرهم الثناء، فهذا ما جناه عليه التكتل الشعبي والتنمية والاصلاح وبعض كتاتيبهم المرتزقة الذين ملأوا الدنيا صراخا على انهم القوة السياسية في الكويت التي لا تقهر وأن من والاهم فقد والى الله ورسوله، ولكن ثبت للشيخ احمد قبل غيره سوء نواياهم ومدى انتهازيتهم، فقد سبقوا اعداءه بطلب تنحيته واتهامه بعدم صلاحيته لمنصبه ولم يجرؤ احد منهم ان يتحدث عنه بكلمة خير او ثناء ولو من باب العدل والوفاء، بل جاهروا بالتبرؤ منه وكأن معرفته خطيئة وتداعوا لتوقيع وثيقة الجحود التي تطالب باستقالته، وتخلى عنه الكتاتيب والاعلاميون الذين طالما وقف بجانبهم دون ان يدرك الشيخ احمد الفهد أن اول من يولي الأدبار اذا التقى الجمعان هم الجنود المرتزقة وما اكثر هؤلاء الذين اوحوا إليه بأنهم خير أجناد الأرض، وما هم إلا طفيليات تتغذى على الأزمات وترتدي ثياب الفضيلة وتدعي الشرف، وهم ابعد ما يكونون عن ذلك.
اتمنى ان يعي الجميع من هذه الازمة مدى معرفة معادن الرجال فليس كل ما يلمع ذهبا.
أضف تعليق