أقلامهم

صلاح الفضلي: ظُلم الحسين عندما زُج بمظاهر الغلو في مجالسه، وظُلم عندما اتخذت مجالسه وسيلة لترسيخ الفروقات.

شقشقة
لا تقتلوا الحسين مرة أخرى 
د. صلاح الفضلي
في كتابه المعروف «الملحمة الحسينية» يقول الشهيد مرتضى المطهري- وهو يمثل مع الشهيد محمد باقر الصدر أبرز مفكري الشيعة في العصر الحديث- إن الحسين (ع) استشهد ثلاث مرات، الأولى على يد جيش يزيد بفقدانه لجسده، والثانية على يد أعدائه الذين شوهوا سمعته وأساؤوا لمقامه، أما الثالثة فعندما استشهدت أهدافه على يد بعض أهل المنبر الحسيني، وكان هو الاستشهاد الأعظم.
فالحسين، كما يعتقد المطهري، ظُلم بما نسب له من أساطير وروايات قاصرة عن أن تصبح تاريخاً يألفه أو يقبله العقلاء. ظُلم لأن تلك الروايات عتمت على أهداف ثورته ومقاصدها. ظُلم على يد الرواديد ومن اعتلوا منبره ونسبوا له- ولأهل بيته- حوارات ومواقف وهمية ملؤها الانكسار لاستدرار الدمع، فصوروه- وهو المحارب الجسور الذي افتدى مبادئه بروحه ودمه- وهو يلتمسُ الماء بكل ذلٍ ومهانة من أعدائه، وصوّروا زينب- الطود الشامخ- التي دخلت على الطاغية يزيد فزلزلته بخطبتها على أنها امرأة جزعة بكّاءة تثبّط همة أخيها في الحرب، وتثنيه عن القتال.
ظلم، وأي ظُلم هذا، عندما حُوِّلت ثورته الراقية على الوحشية إلى مناسبة لتعذيب وجلد النفس.. بدأها «التوابون» من أهل الكوفة بعد استشهاده عندما جلدهم الندم لمّا سمعوا بمقتل الإمام الذي كاتبوه وبايعوه للخروج على يزيد ومن ثم خذلوه.. فخرجوا في مواكب يشقون فيها الرأس ويعذبون أنفسهم ندماً على ما فعلوه بالإمام وصحبه، وتوارثت أجيال الشيعة هذه الطقوس التي لا تتناسب مع ثبات المؤمن وصبره بل وسعت لتبريرها بنسب الفعل للسيدة زينب التي قيل عنها- وحاشاها- أنها شقت الجيب وشجت رأسها حزناً على أخيها، حتى جاء المراجع الكبار فحرّموا هذا الطقس فعُلق حتى في إيران لما فيه من تشويه للمذهب؛ إلا أنه مازال يمارس كل عام مُلبساً ثورة الحسين ما ليس فيها، ومستدراً على منهاجه السوي النقد والتقريع وازدراء العالم.
ظُلم الحسين عندما زُج بمظاهر الغلو في مجالسه، وظُلم عندما اتخذت مجالسه وسيلة لترسيخ الفروقات بين الأمة المحمدية التي بذل روحه لجمع شتاتها والحفاظ على هويتها. لقد خُلدت الثورة ومن يتصفح مظاهر إحياء عاشوراء حول العالم، ويلمح العبرات التي تنهمر من أعين المسلمين، لا يكاد يصدق أن الواقعة المرثية قد انقضت منذ 1370 عاماً.. ذلك أن الله- في عُلاه- أراد لهذه الواقعة أن تُخلّد ليوم القيامة لما فيها من إرث، ومن دروس تختصر كنه الصراع الدنيوي بين معسكري الخير والطغيان، وتشرح مفهوم النصر الخالد، ولو عبر الهزيمة الآنية. (انتهى كلام المطهري). لذلك نقول لمن يشوه الحسين الحقيقي «لا تقتلوا الحسين مرة أخرى» بخزعبلاتكم.