أقلامهم

صالح الشايجي : أنشودة العيد

في دوحة الشعر، ماتت العصافير، نضب النبع، يبست الأغصان، اصفرت الأوراق، سقطت، ذرتها الريح بعيدا.
انزوى الذين كانوا ملء السمع والبصر، يملأون الدنيا ضجيجا بهيجا، يهدون القلوب فرحة في إثر فرحة، يوزعون بالونات الفرح الملونة على أيدي الأطفال الممتدة الرجاء.

صارت الدنيا غير الدنيا، ولبس العيد السواد، أغلق نوافذه وسد أبوابه وعلق على بابه، قلبه المصلوب بالكمد.

هنا أم تنظر إلى عيالها تعدهم واحدا واحدا، لم ينقصوا، وتنام بقلق هل سيكونون في الغد، كاملي العدد كما هم اليوم؟

وهناك أم تبحث في الأنقاض، علها تجد شلوا من أشلاء ابنها الذي غدره الموت تحت تلك الكتل الاسمنتية.

حتى البكاء فقد طعمه، حتى الحزن بات بلا شهية، حتى الموت لم يعد مفاجأة، صار أرخص من علف البهائم.

من شق للموت طرقه المتعددة حتى يمشي بسهولة ولا يتعثر،

يسير في طريقه آمنا مطمئنا بين ناس خائفين مرتعدي القلوب؟

كثرت السيوف في أيدي من لا يقدرون على حملها.

أحوال تبدلت، ألوان تبادلت ألوانها، كل لون استعار لون الآخر.

كل الألوان لاذت بالأسود، بعدما بارت في الأسواق، وشاحت عنها الأوجه وكرهتها العيون وتعففت عن لمسها الأيادي.

مات السادة والنبلاء والفرسان والسيادة والنبل والفروسية.

واستفاق مردة الشياطين واحتلوا الأرض وعاثوا فيها قتلا وتنكيلا.

وما عادت الأرض هي الأرض، باعت ترابها ورحلت، غاضت زروعها في باطنها وأنبتت الجفاف.

دجلة تسأل الفرات عن منسوب دمه، وبردى ذاك الشهي أهلكه العطش.

والحسناوات المصقولات الهيفاوات الغنجاوات، صرن قنابل متنقلة ومناطق شائكة.

أهدى الليل عتمته للنهار، سرق شمسه وأهداها للشيطان.

كان البحر بلا خطيئة فاستوطنته الخطايا وصار لعبة في أيدي المتاجرين بالبشر، يقذفون بهم في لجة الموت حتى كلّ الموت وملّ.

أين المفر؟

لا مفر، من يفر من موت هنا يستقبله موت هناك، وللموتين طعم واحد.

ثكالى وأرامل وأيتام، ويامن تحصي الرؤوس، أولئك من ستحصيهم.

اسأل الثكلى بكم ثكلت لا بمن ثكلت، واحص الأرامل والأيتام، إن استطعت إلى ذلك سبيلا.

اطو دفترك ولا تنشره.

شكر الله سعيك.

مبارك عيدك.. عيدك مبارك!