عربي وعالمي

قانون الحشد الشعبي يلقي بظلاله الكثيفة على “التسوية السياسية” بالعراق

بينما كان الساسة العراقيون منشغلين بمناقشة مسودة “التسوية السياسية” التي اقترحها زعيم التحالف الوطني عمار الحكيم لحل مشاكل البلاد مع قرب القضاء عسكريا على ما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) جاء قانون هيئة الحشد الشعبي الذي اقره البرلمان العراقي بالاغلبية وليس بالتوافق ليلقي بظلاله الكثيفة على تلك التسوية ويزيد الشقة بين الفرقاء بدلا من جسر الهوة.

فما هي الا ساعات قليلة بعد اقرار قانون هيئة الحشد الشعبي داخل البرلمان باغلبية 208 أصوات وبمقاطعة عدد كبير من نواب المكون السني حتى اعلن زعيم ائتلاف متحدون نائب رئيس الجمهورية اسامة النجيفي رفضه لمشروع التسوية السياسية والتاريخية ردا على الطريقة التي اقر بها قانون الحشد.

وقال النجيفي في مؤتمر صحفي “نرفض اي مفاوضات بعد اليوم لما يسمى بالتسوية السياسية ولن نناقشها بعد الان على الاطلاق”.

وترى معظم قيادات اتحاد القوى العراقية وممثلو المكون السني في البرلمان العراقي ان اقرار قانون الحشد الشعبي في البرلمان دون الاخذ بملاحظاتهم عليه انما يعكس “ديكتاتورية الاغلبية” كما يصفها النجيفي ولا يستوي معه الحديث عن تسوية سياسية.

وكان البرلمان العراقي قد اقر باغلبية نواب التحالف الوطني والتحالف الكردستاني قانون هيئة الحشد الشعبي في 26 نوفمبر الماضي دون ان يدخل عليه تعديلات مقترحة من قبل اتحاد القوى لطمانتهم بخصوص تحديد نسب المكونات في الحشد وتوزيع المناصب القيادية فيه.

ويقول النائب طالب المعموري عن كتلة متحدون التي يتزعمها النجيفي لوكالة الانباء الكويتية (كونا) ان العراق لا يمكن ان يدار بنهج الاغلبية البرلمانية فلابد من التوافق السياسي في تشريع القوانين المصيرية المهمة.

وأضاف ان لديهم العديد من الملاحظات على قانون الحشد الشعبي “فكيف يقر رغما عن ارادتنا ثم ناتي بعد ذلك للحديث عن تسوية سياسية”.

بدورها قالت عضو اتحاد القوى النائب نورة البجاري ان جميع مكونات الاتحاد رفضت تسلم نسخة وثيقة التسوية السياسية من ممثل الامين العام للامم المتحدة في العراق يان كوبيتش والتي نقلها لهم من التحالف الوطني احتجاجا على اقرار قانون هيئة الحشد الشعبي.

وبينت ان كوبيتش اجتمع في وقت سابق مع قادة اتحاد القوى العراقية وبينهم رئيس مجلس النواب سليم الجبوري ونائب رئيس الجمهورية اسامة النجيفي وزعيم حركة حل جمال الكربولي وممثل ائتلاف الوطنية محمود المشهداني ووزير الكهرباء قاسم الفهداوي ووزير التخطيط سلمان الجميلي وعدد من النواب لتسليمهم نسخة الوثيقة.

وأوضحت البجاري ان جميع هذه الجهات رفضت تسلم مبادرة التسوية من كوبيتش في موقف موحد يعكس رفضهم لاقرار قانون الحشد الشعبي بعيدا عن الاستماع الى مطالبهم.

ولفتت الى ان كوبيتش وعد اتحاد القوى بانه سيعقد اجتماعات مكثفة مع التحالف الوطني سيما زعيمه عمار الحكيم لايجاد تسوية لما حصل من خلافات جديدة.

ولم يكشف رسميا لغاية الان عن بنود وثيقة التسوية السياسية كونها وفقا لواضعيها من التحالف الوطني لازالت مسودة بحاجة لوضع لمسات كل الاطراف السياسية عليها قبل الاعلان عن بنودها واقرارها.

ويحاول التحالف الوطني ان يقلل من اهمية موقف اتحاد القوى بالاشارة الى انهم لا يمثلون كل المكون السني في البلاد وان الوثيقة يمكن ان تمرر مع شركاء (سنة) اخرين.

ويقول القيادي في المجلس الاعلى الاسلامي محمد المياحي ان اتحاد القوى اذا رفض التسوية فهو لا يمثل كل المكون السني في البلاد وهناك اطراف سنية اخرى تمثل المكون خارج العملية السياسية.

ويضيف ان التحالف الوطني لن يساوم على ما وصفها “دماء شهداء الحشد الشعبي من اجل ارضاء شخصيات سياسية لا تمثل كل السنة”.

من جانبها حاولت الحكومة العراقية التقليل من مخاوف الاطراف السياسية المعترضة على قانون الحشد مؤكدة انها ستراعي في الاجراءات التنفيذية للقانون تلبية المطالب التي طرحها اتحاد القوى.

ويقول النائب محمد الكربولي ان رئيس الوزراء حيدر العبادي والذي سيتولى بحكم منصبه القيادة العامة للحشد الشعبي وعدهم بتلبية اهم مطالبهم وهو تحديد نسب المكونات داخل الحشد بما يحفظ مشاركة فاعلة لابناء المكون السني.

ولم يتسن التاكد من وعود العبادي تلك والتي تحدث عنها الكربولي في تصريح للتلفزيون الحكومي الا ان رئيس الحكومة حاول في مؤتمر صحفي عقده الاسبوع الماضي تسليط الضوء على الجوانب الايجابية للقانون.

وقال العبادي ان قانون الحشد سيقنن استخدام السلاح في البلاد وسيحد من استخدامه خارج اطار الدولة وسيجعل تلك القوات في اطار المنظومة الامنية القانونية في البلاد.

وأضاف ان قانون الحشد الشعبي “سيميز بين الملتزمين بقانون الدولة والخارجين عنه” كما انه سيحفظ حقوق الذين تطوعوا للدفاع عن وطنهم.

وفي الوقت ذاته يبدو ان العبادي غير متحمس اصلا لوثيقة التسوية السياسية اذ يقول “انا ليس ضد وثيقة التسوية بصورة عامة لكن انا اتساءل تسوية مع من؟”.

وذكر “نحن بحاجة الى مصالحة مجتمعية اكثر من حاجتنا لتسوية سياسية لان (داعش) حاول زرع الفتنة والتفرقة بين المكونات المجتمعية بين ابناء العشيرة الواحدة لذلك فلابد من مصالحة مجتمعية بين المكونات”.

أوضح أن بذور الفرقة تلك دفعت البعض لمنع مكونات باكملها من العودة الى مساكنهم بعد تحريرها من (داعش) بحجة انهم جزء من التنظيم الارهابي وهذا امر غير جائز فلابد من محاسبة المسيء دون ان نحمل عشيرته ومكونه المسؤولية.

ويرى مراقبون ان ازمة الثقة التي تفاقمت بين الفرقاء السياسيين عقب اقرار قانون الحشد الشعبي في طريقها الى الحلحلة كون التسوية السياسية في المرحلة المقبلة ضرورة ملحة لجميع الاطراف على حد سواء وفق مبدا “لا غالب ولا مغلوب”.

وهنا كشف احد نواب اتحاد القوى والذي طلب عدم الكشف عن اسمه ان المباحثات لازالت مستمرة من اجل اقرار التسوية السياسية وان هناك مباحثات سياسية ولقاءات بين قادة الاحزاب لتسوية نقاط الخلاف والاتفاق على صيغة معينة.