أقلامهم

ثمن دواء الأجانب

بدلاً من اقتراح فرض رسوم على تحويلات رواتب الوافدين أو إلزامهم بتحمل ثمن الدواء، لنطالب بترحيل كل الوافدين دون استثناء، ودعونا نرى بلد الخمال كيف يمكن أن يحيا ويستمر في الحياة دون خدماتهم! دعونا نرى كيف سترتفع عالياً تلال القمامات عند الفلل والعمارات الضخمة؟ لنشاهد كيف تصبح الدراسة في مدارس مناهج الحفظ والتلقين العامة أو الخاصة، ولنتخيل كيف يمكن أن تعمل المستشفيات والمراكز الصحية دون أطباء وممرضين أجانب، ولنتخيل من سيحل مكان عمال البناء وأصحاب المهن المختلفة عندما نرحل الوافدين؟ وكيف ستعمل إدارات الدولة حين نتخلى عنهم؟ ماذا عن شكل ومحتوى بيوتنا دون الفلبينية والسيلانية التي تسير خلف ربة المنزل، تمسك بأيدي أطفال منتفخين في الجمعيات والأسواق؟ وكيف يصبح المنزل دون الطباخ والخادم والسائق…؟!

تخيلوا تفريغ الكويت من ثلثي السكان، وهو عدد الوافدين تقريباً، ماذا سيكون حال الدولة بكل مؤسساتها…؟! لنتوقف عند مسمى العمالة الهامشية التي يكرر البعض ضرورة إبعادها، وما هو تعريف العمل الهامشي؟ هل هو الذي لا يضيف شيئاً لعملية الإنتاج؟ إذن من الأولى أيضاً وبمنطق العدل أن نتكلم عن مواطنين هامشيين حين لا يضيفون شيئاً لعملية الإنتاج، وهم مجرد ثقل وعبء خلقته السلطة الريعية على مستقبل الدولة، ومن سيكون الهامشي عندها الخادم أم المخدوم؟!

هناك واقع “تجارة إقامات” مخزية وأصحابها بصفة عامة غير قابلين للمساءلة، لأنهم مواطنون ولديهم معرفة كاملة بسبل ودهاليز إدارات الفساد وطرقها بمؤسسات الدولة الرقابية وكيف يمكن التهرب والالتفاف على قوانين منسية ومهملة، لكن لعبة تجارة الإقامات مثل بقية اللعب في دولة اللا مسؤولية هي حالة فساد واحدة من أضابير ضخمة للفساد في الدولة، وحلها ليس حلاً لقضية العمالة الأجنبية والحالة الاتكالية بالدولة بصورة مطلقة.

في معظم الأزمات السياسية – الاقتصادية دائماً يتحمل ضريبتها أضعف الحلقات في المجتمعات، ويتم ترحيل أعبائها من الأقوياء للضعفاء سياسياً، والذين ليس لديهم من يدافع عن أوضاعهم إلا من بعض المهتمين بقضايا حقوق الإنسان، وهم في مثل حالتنا أصوات ضائعة في أسواق الأنا النرجسية، وفي الكويت يصبح الحديث عن تحميل الوافد كل ثقل الوضع الاقتصادي، بعد تهاوي سعر برميل النفط، مسألة مهمة في سوق السياسة الشعبوية، حين يتكسب أصحابها من رضا ومباركة فئة عريضة من المواطنين تم تضليل وعيهم بحقائق الأمور.

أغلب الوافدين هنا ليسوا سياحاً يتمتعون بطبيعة الدولة الساحرة ومناطقها التاريخية، هم عمال يخدمون ويقومون في معظم الأحوال بما يرفض أو يعجز عن القيام به المواطن، وذكرت “القبس” بمانشيت عريض أن 83 في المئة من تلك العمالة لا يحملون شهادات جامعية، فماذا يتوقع أصحاب الخبر؟ هل يريدون علماء “ناسا” كي يخدموا في بيوتكم وينظفوا شوارعكم؟! حل أزمة التركيبة السكانية بعد قرب نضوب بئر الدخول، لن يكون بتلك الاستعراضات السياسية أو بمثل تلك الاقتراحات المخجلة لبعض النواب أو ممارسات حكومية تشجعها أو لا تعرف كيف تواجهها، وإنما بكشف هذا الزيف والتضليل الذي يلف الدولة كلها، وبغير قلب مفاهيم العمل ومناهج التدريس و”دمقرطتها” بصورة جذرية، حتى نخلق جيلاً جديداً منتجاً يمكن أن يبني ويعتمد عليه، لا توجد حلول أخرى، وهذا تحد كبير، لا نتصور أن سلطة الحكم قادرة عليه أو حتى قادرة على تخيله.