أقلامهم

المسحراتي المسيحي.. ونار الفتنة

تساءلت في نفسي، ما الذي يدفع المسيحي الفلسطيني ميشيل أيوب لأن يضحي بلذة النوم ويستيقظ كل يوم الساعة الواحدة فجراً في مدينة عكا ليجوب الشوارع حتى الساعة الرابعة فجراً وينادي بصوته الشجي «يا صايم وحد الدايم…قوم واصحى سبح الرحمن» ليستفيق النائمون من أبناء قرية المكر الفلسطينية، وتتوالى عليه الدعوات من شبابيك المنازل بالتوفيق ويلحقون عليه بقولهم: «تعال تسحر عنا».

ميشيل أيوب يكشف عن دوافعه ومشاعره التي جعلت منه «مسحراتي» مع إنه مسيحي، فيقول إنه يتذكر هذه العادة الرمضانية الجميلة عند المسلمين الذين عاش بينهم يوم أن كان طفلاً وأحب أجواءها الرائعة والخيرية فأحب إحياءها بعد ما اختفت.

وقال: «واجب عليَّ أن أساعد أخوي المسلم لازم حد يوقظه مشان يتسحر ولازم أروح عنده وأصحيه».

ثم ينتقل ميشيل إلى الواقع الأليم والرسالة المباشرة اللذين عززا من قيامه بدور مسحراتي مسيحي.

فقال: «رسالتي طبعا هي السلام، أتمنى أن يحل السلام في العالم العربي، عم نشوف قتل عم نشوف الأوضاع ترجع لورا، الإنسان يقتل الإنسان مش ممكن! الحل الوحيد هو السلام أن يحل بيننا جميعا».

الحدث قد يبدو بسيطا عابراً ولكنه محمل بجواهر القيم التي نحن في أمسّ الحاجة إليها في ظل تصاعد معدلات التصنيف والكراهية ثم الإقصاء وعدم المبالاة بمشاعر الآخرين وحقوقهم والأصعب عدم التعاطف مع ما أصابهم من مظالم وكوارث ويصل الحد بالبعض إلى حالة من التوحش وانتكاس الفطرة بحيث يبرر القتل ويستمتع بمشاهد تناثر لحم الأبرياء وارتواء الأرض من دمائهم!!

لا يمكن محو تنوع الانتماءات وتعدد الكيانات البشرية من الوجود وهذه سنة ربانية مقصودها كما نص القرآن (لتعارفوا).

والخصومة والنقد والعقوبة تكون على المعتدي والمتجاوز أياً كان بقطع النظر عن انتمائه.

والأصل التعايش وفق المنظومة القيمية لكل مجتمع فلا بد أن يعرف المسلم استناداً للبيان القرآني «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولَم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين»، فالبرّ بهم والعدل معهم ومجالستهم وزيارتهم والبيع والشراء وعيادة المريض وغير ذلك من المعاملات المشروعة جائزة شريطة ألا تجر إلى محرم أو الرضا بمنكر.

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل هدايا المشركين، وخاطبهم وعاملهم وعاد مريضهم واقترض منهم إلى آخر ما تزخر به سيرة النبي الإنسان عليه الصلاة والسلام.

واليوم نحن نعيش أجواء يلفها لهيب الفتن ينفخ في نارها محترفون ومرتزقة معلومون وطوابير يعلو صوتهم متسترون بأسماء مستعارة تارة ويكشفون عن قبح وجوههم تارة.

والتعويل على وعي الشعوب وأخلاقياتها وتقديرها للمصلحة العامة في تفويت الفرصة على من يأكلون على موائد الشيطان ويتربحون بضخ الكراهية الموجهة سياسيا لا يكفي، لأن أبواق الشيطان وأدواته لا تترك ثغرة لإفساد ما بين الناس إلا توغلوا فيها، لهذا كان لزاماً على العقلاء أن يتنبهوا لجرائم هؤلاء المرتزقة من نافخي الكير وجالبي الظلام ومروجي ثقافة الكراهية، ويحذروا منها الناس ولو استلزم الأمر كشف دعاة الفتنة بأسمائهم وفضح مخططهم الذي يريدون من خلاله تحويل مجتمعاتنا الآمنة إلى كانتونات متقاتلة يتخندق أبناؤها في محاريب الطائفية والفئوية والعنصرية.

يا أخوتي وأحبتي احذروا ريح الكراهية فإنها إذا هبت اقتلعت كل جميل في مجتمعنا وأحالت الأوطان خراباً ودماراً، ولنتعظ من الأمم من حولنا، ولا يظنن أحد أنه سينجو إن شارك بسوء أو صمت عن مخططات السوء فإن النار إذا أوقدت أهلكت.