عربي وعالمي

شروط جديدة تثير الجدل في الجزائر بسبب قرارات تنظِّم أنشطة المساجد

العبادة أصبحت بترخيص وشروط لصلاة الجمعة.. جدل في الجزائر بسبب قرارات تنظِّم أنشطة المساجد

الجزائر – رياض معزوزي هاف بوست عربي
“مساجد ممنوعة من إقامة الصلاة”، هذا ما يتخوف منه كثير من الجزائريين بعد صدور قرارات حكومية بوضع شروط، وصفها البعض بالصعبة، لإقامة الصلاة في المساجد مع تصنيفها بطريقة تمنع من إقامة صلاة الجمعة في كثير منها.

مسجد حمزة بن عبد المطلب بمنطقة ماوكلان شرق الجزائر، والذي يضم أكثر من 800 مصلٍّ كل جمعة، أحد المساجد المهددة بمنع إقامة صلاة الجمعة.

فرغم أن المسجد له ترخيص من مديرية الشؤون الدينية والأوقاف بولاية سطيف، ويشرف عليه إمام خطيب، فإن المصلين يخشون على مصير مسجدهم بعد صدور مرسومين وزاريين سيجعلان من مسجدهم خارج الخدمة وقت صلاة الجمعة.

الأمر أثار جدلاً بين المصلين، الذين يرفضون ترك مسجدهم، والتوجه لأداء صلاة الجمعة بالمساجد في أماكن أخرى؛ لأنهم تعودوا هذا المسجد منذ أكثر من 15 سنة كاملة، رغم أن المسجد لم تكتمل الأعمال الإنشائية به بنسبة 100%، كما تنص القرارات الجديدة.

الوزير وحده يقول: “صلِّ أو لا تصلِّ”!

العدد الأخير من الجريدة الرسمية الجزائرية يتضمن مرسومين لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف يحددان قواعد تنظيم صلاة الجمعة، والصلوات الخمس، إضافة إلى التمهيد لتصنيف المساجد وترتيبها.

وأصبح وزير الشؤون الدينية، حسب المرسومين، هو الوحيد الذي يمنح الرخصة لتأدية صلاة الجمعة في أي مسجد بناء على ملف يثبت المواصفات التي تسمح بترتيبه في البطاقية الوطنية كمسجد قطب أو مسجد وطني أو محلي.

أما مصالح الشؤون الدينية على المستوى المحلي والولائي فهي المكلفة فتح مساجد في الأحياء لأداء الصلوات الخمس، وليس صلاة الجمعة، لكن “بعد التنسيق مع المصالح المركزية”.

وكان الجزائريون يكتفون سابقاً بترخيص من المدير المحلي للشؤون الدينية والأوقاف لأداء صلاة الجمعة.

وفقاً للوضع الجديد، سيتم فتح المساجد التاريخية الأثرية بموجب قرار يصدر عن وزارة الشؤون الدينية أيضاً، ويسمح بذلك الوزير شخصياً بعد التنسيق مع المصالح المختصة بوزارة الثقافة، كما سيتم غلق المساجد التاريخية الأثرية أيضاً بقرار إذا تم الشروع في عملية الترميم والصيانة.

والمساجد بالجزائر، حسب المرسوم، تُصنف إلى 6 رتب، بدءاً من المساجد التاريخية إلى المصليات، مروراً بالمساجد الأقطاب والمساجد الوطنية والمساجد المحلية ومساجد الأحياء، وتضم بين 10 آلاف و1000 مصلّى للمسجد الواحد.

المرسومان الوزاريان الأخيران، يحددان الشروط الواجب توافرها لإقامة صلاة الجمعة في أي مسجد، ويرى كثير من المصلين أن هذه الشروط غير متوافرة في مئات المساجد، ما سيجعلها خارج الخدمة يوم الجمعة.

فالمسؤولون عن المسجد يجب أن يقدموا طلباً يحتوي على ملف كامل، فيه البطاقة التقنية للمسجد، وموافقة المصالح التقنية المختصة، لا سيما الحماية المدنية والمراقبة التقنية للبناء، بما يضمن توافر شروط السلامة والأمن ببيوت الله، وكذا شهادة مطابقة في مجال البنايات، إضافة إلى محضر تسمية المسجد، وإثبات القِبلة.

كما يُرفق طلب فتح المساجد بوثائق تحدد الطبيعة القانونية للعقار المشيّد عليه المسجد وأصل ملكيته، ويشترط في شهادة المطابقة النهائية المقدمة في الملف، التأكد من إنجاز الأشغال بالمسجد بنسبة مائة في المائة.

هذه الشروط تجعل من مسجد حمزة بن عبد المطلب بماوكلان، وكثير من المساجد المماثلة، غير مؤهلة لأداء صلاة الجمعة رغم السنوات الطوال التي واصل فيها نشاطه، فالأشغال غير منتهية 100%، والبناء لا يطابق متطلبات الحماية المدنية.

ويقول إسماعيل بن لحسن رئيس الجمعية الدينية لمسجد “حمزة بن عبد المطلب”، لـ”هاف بوست عربي”: “القوانين الجديدة سترغم الكثير من المساجد على عدم إقامة صلاة الجمعة؛ لأن غالبية بيوت الله في الجزائر لا تتضمن جميع تلك الشروط المرفقة بالمراسيم”.

جمال غول رئيس المجلس الوطني المستقل للأئمة في الجزائر، يعتبر المرسومين الأخيرين يهدفان إلى تنظيم فتح المساجد وأداء الصلوات، خاصة ما تعلق بوجود بطاقة للمسجد، والتي تسمح بمتابعة النشاط المسجدي.

لكن جمال يقول لـ”هاف بوست عربي”، إنه كان من المفروض قبل الحديث عن تنظيم صلاة الجمعة وفتح الأبواب خلال الصلوات الخمس، البحث عن واقع المساجد لتسويتها من حيث المطابقة للمتطلبات، سواء ما يتعلق بالقانون والأشغال وغيرهما.

ويضيف: “الأولوية يجب أن تكون لجمع المصلين بمساجدهم التي ألفوها منذ سنوات، مع توفير طبعاً شروط السلامة والصحة والمراقبة، ومساعدتهم لإنهاء الأشغال بالنسبة للذين يملكون مساجد غير مكتملة الأشغال”.

وأردف قائلاً: “لا يخفى أن المسجد مؤسسة للتنظيم والقانون، وما فعلته الوزارة ليس خارجاً عن الإطار، لكن هناك أولويات كان من المستحسن مراعاتها”.

الإعلامي بقناة “دزاير نيوز” عبد النور جحنين، يعتبر ما أقدمت عليه وزارة الشؤون الدينية والأوقاف أمراً جيداً، ولكن لو كان قد تم مراعاة ظروف المصلين ووضع المساجد قبل سَن مثل هذه المراسيم.

ويقول جحنين لـ”هاف بوست عربي”: “الوزارة على علم بأن الشروط التي وضعتها تفتقدها الكثير من المساجد، كما أن إشراف الوزير شخصياً على منح التراخيص سيؤخر من فتح المساجد؛ نظراً إلى تعقيدات العملية التي ستمر على مئات الحواجز”.

ويضيف جحنين: “وفوق ذلك، هذه المراسيم قد تطبَّق في المدن والولايات وبعض الدوائر الكبيرة التي تحتوي على أكثر من مسجد، لكن في المناطق الجبلية والصحراوية سيجد المصلون فيها أنفسهم مجبَرين على ترك صلاة الجمعة في حال منع تلك المساجد من أداء الصلاة لغياب الشروط المذكورة”.

“فالمساجد هناك” -كما يقول عبد النور- “متباعدة، والوصول لها يكون بقطع عشرات الكيلومترات، وهو أمر عسير، خاصة للذين لا يملكون سيارات أو دراجات نارية”.

بؤر الفساد والدخول بالبطاقة

رواد مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبروا في تعليقاتهم أن ما قامت به وزارة الشؤون الدينية تضييق، وطالبوها بمراجعة مثل هذه التعليمات والقوانين.

وطالبت بعض التعليقات الوزارة بمراقبة بؤر الفساد المالي والأخلاقي بدلاً من تسليط الضوء على المسجد.

وهناك من قال: “هذه التعليمات هي تمهيد لمستقبلٍ سندخل فيه المساجد بالبصمة أو ببطاقة الصلاة”.

الهدف الحقيقي

الدكتور إبراهيم بودوخة المسؤول بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، يؤكد أن الإجراءات الأخيرة تأتي بغرض تنظيم بيوت الله، وتنظيمها جيداً، ومراقبة النشاط المسجدي لما يخدم الدين والدنيا.

ويقول بودوخة لـ”هاف بوست عربي”: “الجزائر مستهدفة من دعاة الفكر المتطرف والفرق الضالة، وتعد المساجد أرضاً خصبة لهؤلاء استناداً إلى تقارير أمنية كشفت عن نشاطهم بالمساجد”.

“لذا، كان لزاماً على الدولة إعداد بطاقات وطنية للمساجد، مع تنظيم وتأطير إقامة الصلوات الخمس وصلاة الجمعة؛ للوقوف ضد نشاط البعض ممن ينوون شراً بهذا الوطن”، حسب الدكتور إبراهيم.