أقلامهم

وليد الرجيب.. يكتب: تعقيدات ما بعد الثورات العربية

تعقيدات ما بعد الثورات العربية
في الثورات الاجتماعية عادة ما تتفق الشعوب على القضية الرئيسية التي تتمثل في إسقاط الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية، لكن بعد انتصار المرحلة الأولى لأي ثورة تختلف الفئات الاجتماعية وشرائح المجتمع على تفصيلات حول مسار الثورة، هذا ناهيك عن عرقلة قوى الثورة المضادة للثورات وحرفها عن أهدافها.
ولنأخذ ثورة الشعب المصري من خلال موجتيها الأولى في 25 يناير 2011 والثانية في 30 يونيو 2013، واختيارنا سببه الأهمية الكبرى لمصر وثقلها الدولي والإقليمي الذي لا بد وأن يترك تأثيره على بقية الدول العربية سواء إيجاباً أم سلباً، ففي هاتين الموجتين الثوريتين كان الاتفاق بين شرائح الشعب المصري كبيراً وواضحاً مما انعكس على نجاحهما.
لكننا لاحظنا بعد انتصار ثورة 25 يناير المُتفق عليها بين جميع فئات وشرائح المجتمع بما فيها ما يسمى بالطبقة الوسطى، ان هذه الفئات اختلفت حول مرشح الرئاسة، ولكلٍ حججه ومبرراته، وهذا ما لاحظناه أيضاً بعد انتصار الموجة الثورية الثانية في 30 يونيو، حيث انقسم الشعب حول مرشح الرئاسة القادم بين المرشحين الأساسيين عبد الفتاح السيسي وحمدين صباحي، وهو لا شك أحد تجليات تعقيدات المشهد ما بعد نجاح الثورات الاجتماعية.
فلنأخذ على سبيل المثال موقف الحزب الشيوعي المصري الذي من المفترض أن يكون متحداً فكرياً وسياسياً وتنظيمياً مع بالطبع ما تفرضه شرعية الديموقراطية داخله والاختلاف بالرأي، حيث الأصل أن لا حجر على الآراء أو مصادرتها في داخل الأحزاب التقدمية واليسارية، ففي اجتماع اللجنة المركزية الأخير الذي جرى يوم 10 ابريل 2014، تم على نطاق واسع مناقشة الانتخابات الرئاسية حيث حضر ممثلون من المناطق الحزبية في جميع المحافظات، وقد كشف النقاش عن وجود تباين في الآراء حول كلا المرشحين، وقد ساهم في وجود هذا التباين –كما يقول تقرير اللجنة- حقيقة أن البلاد تمر بلحظة فارقة وأن الثورة والوطن يتعرضان لأخطار حقيقية وأوضاع محلية وإقليمية ودولية معقدة.
وقد أكد الحاضرون في نهاية الاجتماع على أن وحدة الحزب والحرص على استمرار نضاله في سبيل تحقيق أهداف الثورة وإنجاز برنامج الثورة الوطنية الديموقراطية هو الهدف الأساسي في المرحلة المقبلة، وان معركة الرئاسة رغم أهميتها إلا أنها ليست نهاية المطاف، بل هناك معارك كبيرة مقبلة توجب توحيد القوى الوطنية والديمقراطية حولها، لحسم انتصار الثورة على قوى الثورة المضادة، وان موقف الحزب من الرئيس القادم أياً كان اسمه سيتحدد في ضوء مواقفه وتوجهاته العملية، وعلى أساس مدى التزامه بتحقيق أهداف ومطالب الجماهير الشعبية في ثورتي 25 يناير و30 يونيو.
وأكد الاجتماع أن الحزب الشيوعي بالتحالف مع بقية القوى الوطنية الثورية، سيستمر في طليعة هذه الجماهير مناضلاً من أجل استكمال تحقيق الأهداف التي منها: إنهاء التبعية للولايات المتحدة والامبريالية العالمية والتأكيد على استقلال القرار الوطني، وترسيخ وتقوية دعائم الوحدة الوطنية، وكذلك تحقيق تنمية شاملة مستقلة ومنحازة للفقراء والكادحين، والعمل على تلبية احتياجاتهم المعيشية وحقوقهم في العمل والعلاج والسكن والتعليم، والقضاء على الفساد ومحاكمة اللصوص والفاسدين الذين نهبوا أموال الشعب، وأيضاً تحقيق الديموقراطية بمعناها الحقيقي وإصدار التشريعات التي تؤكد على الحريات الأساسية التي انتزعتها الجماهير وضمان المشاركة بالقرار، وضرورة إيقاف الانتهاكات والتجاوزات التي ترتكب بحق الأبرياء من غير المشاركين في الممارسات الإرهابية.
ويختم التقرير بالقول: «ليكن واضحاً للجميع أن الشعب المصري العظيم الذي استطاع أن يسقط نظامين ويحاكم رئيسين خلال عامين، لن يسمح بأي حال من الأحوال بعودة النظامين الساقطين، وهو قادر على مواجهة أي رئيس قادم لا يلتزم بالدستور ولا يحقق طموحات الشعب وآماله في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية».
وفي ظني أن وضوح هذه الأهداف والاتفاق حولها، سيقود الشعب المصري لتحقيق أهداف ثورتيه التي قدم من أجلهما التضحيات والشهداء، وهو ما نأمله من الشعوب العربية الثائرة على الظلم والطغيان.