كتاب سبر

لماذا اعتذر الشيخ أحمد الفهد؟!

حتى الآن لم يرشح سوى القليل من تفاصيل لقاء الشيخ أحمد الفهد مع ((المعنيين)) وما تمخّض عن ذلك اللقاء من اعتذار وتعهد في بيان تلفزيوني بعدم تكرار اتهام الشيخ ناصر المحمد ورئيس مجلس الأمة الأسبق جاسم الخرافي مجددا (شريط البلاغ والقضاة) وطي الملف برمته.. ربما إلى حين.
تلك الخطوة من جانب الفهد وما اكتنفها من غموض وضبابية يتطلب إعادة ربط الحلقات مع بعضها والتوقف ربما عند كل حلقة من تلك الحلقات حتى يمكن تفسيرها فهي لم تأتِ من فراغ، ولابد أن ما سبقها يؤشر لها، وإن كان بعض المنخرطين في “معركة” الفهد لم يتمكنوا من لمسها في الوقت المفترض لهم أن يدركوا مآلها.
قبل الدخول في تفاصيل المشهد لابد من الإشارة إلى أن تلك المعركة تجاه المحمد والخرافي تمخضت عن ((زعامة)) جديدة في أوساط الطبقة التجارية لم تكن ضمن حسابات الفهد، وأقصد بها رئيس مجلس الأمة الحالي مرزوق الغانم رغم مايعتري أداءه خلال الفترة الماضية من تحفظات، ومع ذلك فالرئيس الغانم سيخسر خصما إستفاد كثيرا من خصومتة في تكريس مثل تلك الزعامة وفي حشد الجماهير (خصوم الفهد ) حوله .
وعودة على أجواء الإعتذار سنجد أولا أن هذه النهاية التي وصل لها المشهد كانت متوقعة على إعتبار أن الفهد حرص منذ بداية المعركة على الكشف عن دوره الرئيسي والمحوري فيها من خلال (( تبني )) عددا من وسائل الإعلام ( جريدتي الكويتية وعالم اليوم ، قناة اليوم ) ومن يعرف أبجديات السياسة يعرف أن الظهور بهذا الشكل العلني نقطة ضعف وليست نقطة قوة إذ تبقى أي شخص في دائرة الضغوط والتهديد .
مع وجود هذا الحرص كان هناك (( إلتباس )) بسبب وجود شخصيات لها وزنها السياسي والإجتماعي على الأقل أمام (( العامة )) ضمن إطار المعركة ، إلا أن الفهد أصر مرة أخرى على تبديد هذا الإلتباس عندما خرج في لقاء تلفزيوني في قناة الوطن عقب كشف النائب السابق مسلم البراك في ساحة الإرادة عن وثائق تدين بعض القضاة حسب زعمه بساعات ألمح خلاله بشكل أو بآخر أن له يد في تلك الإتهامات (أشرطة المحمد والخرافي والقضاة).
ويبدو لي أن ذلك الخروج كان بمثابة الصاعقة على النائب البراك خاصة بعدما قال في كلمته أنه أودع الوثائق عند ثلاث شخصيات تخوفا من تطورات خارجة عن المألوف ، ولايتوقف الأمر على البراك فقط بل حتى المجموعات المتحالفة معه ضد المحمد والخرافي أصيبت بالذهول من تلك الخطوة من الفهد ، ويتردد أن بعضهم آثر الإبتعاد بعد تلك التطورات من هول الصدمة.
الرئيس الغانم شارك في إجبار الفهد على الخروج إلى الواجهة عندما تصدى لتلك الإتهامات في جلسة مجلس الأمة الشهيرة التي عرض فيها ((الشريط))، وكان سبق تلك الجلسة تصريحات لرئيس مجلس الأمة الأسبق جاسم الخرافي ذكر خلالها أن الفهد ليس مهما بقدر أهمية كشف ((الرؤوس التي تقف خلفه))، ويجدر الملاحظة بأنه تحدث عن رؤوس وليس رأس وهذا له دلالاته ومؤشراته.
كانت مرافعة الغانم في تلك الجلسة “التاريخية” هي التي (( أحبطت )) تحرك الفهد والمجموعات المتحالفة إذ لم يتوقع أولئك إمكانية عقد مثل تلك الجلسة أصلا وإذا عقدت لن تتجاوز بعض الكلمات (تبرئة ذمة) دون أن يكون لها نتائج أو تبعات على مسار المشهد السياسي الذي جهد الفهد والمجموعات المتحالفة معه على إطلاقه لكن حساب الحقل لم يكن كحساب البيدر بالنسبة لهم.
ثانيا.. كان واضحا من خلال إصرار الفهد عن الكشف عن نفسه وإظهار شركاءه في المعركة على شكل أدوات أنه يريد التفاوض على دور ومسار جديد بعدما خسر الدور السابق بعد جلسة ( إستجواب التحالف الوطني )، وإضطراره إلى الإستقالة عندما تخلى عنه مجموعة من النواب يتردد أنه كان يدعمهم إنتخابيا خلال السنوات الماضية، ولع بيان النائب السابق أحمد السعدون ينبه لهذا الوضع رغم تأخره عندما أنتقده بشدة في بيان أصدره عقب بيان الفهد حول حفظ ما أسماه الفهد (( بلاغ الكويت ))، وأطلق عليه خصومه ((بلاغ الفتنة)).
ثالثا .. القوى التي تحالفت مع الشيخ أحمد الفهد أصبحت كما يبدو في (( مأزق )) فهي التي تحملت عبء الكشف عن تلك الوثائق حتى أن بعضهم أصبح خلف القضبان بسبب تلك الخطوة، وهم وإن إختلفت أسباب تحالفهم إلا أن حقيقة الأمر تشير إلى أنهم خسروا كثيرا وغامروا بتاريخهم، ولن يؤثر كثيرا أن بعضهم حاول “التبرؤ” من تلك المرحلة من أجل “تعويم” وضعه من جديد في إطار أية تحالفات يمكن أن تنشأ على أنقاض تلك المعركة.
هناك من حقق مكاسب من تلك المعركة ولم يظهر في الصورة ويمكن أن يكون هو من أبرم ” تسوية ” على أكتاف الشيخ أحمد الفهد، وهناك أيضا من خسر بسبب إنخراطه في مثل تلك المعركة، لكن الخاسر الأكبر كما يبدو لي هو الفهد نفسه فمثل تلك الهزيمة سيكون لها تبعاتها السياسية التي لاتتوقف عند حد رغم مايقال أن الاستمرار فيها أكثر وطأة من الاعتذار!!.