أقلامهم

الفضلي يعدد أسباب سقوط هيبة الدولة

عبدالعزيز صباح الفضلي 

سقوط الهيبة

بعد صلاة المغرب دار حديث بيني وبين أحد رواد المسجد حول ظاهرة سقوط الهيبة في المجتمع، فلم يعد للأب هيبة عند أبنائه ولا للزوج عند الزوجة، ولا للطالب تجاه المعلم، بل لم يعد هناك هيبة لا للوزير ولا للعلماء ولا للشيوخ (سواء أبناء الأسرة أو شيوخ الدين).

وكان التساؤل عن السبب في ازدياد هذه الظاهرة، فقلت ان المسؤولية في سقوط الهيبة يتحملها كلا الطرفين، بمعنى أن الأب قد تسقط هيبته من عيون الأبناء بسبب بعض تصرفاته كأن يقع عليه أبناؤه وهو يشاهد ما لا يليق، وقد تسقط هيبة الزوج بسبب ضعف شخصيته أمام زوجته، وقد لا يحترم الطلاب معلمهم لرؤيته يعمل خارج المدرسة في وظائف لا تتناسب من مهنته، أو عندما تدني نفس المعلم فيأخذ بعض الرشاوى من المتعلمين أو أولياء أمورهم من أجل تسريب اختبار أو رفع درجات، وقد تسقط هيبة شيخ الدين عندما يراه الناس منكباً على الدنيا، ماسحاً للجوخ، مدبجاً للفتاوى من أجل رضا السلطان، ينطبق عليه مبدأ «إديني فرخة أديك فتوى» وفي الحديث «يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل». 

وكم سقطت هيبة بعض الوزراء بسبب عدم استحقاقه لهذا المنصب إما لعدم كفاءته الإدارية أو لضعف شخصيته، فتراه يسد عجزه وتقصيره بالعطايا وإنجاز المعاملات حتى وإن كانت مخالفة للوائح والنظم من أجل ترضية ذلك النائب، أو لكسب ود ذلك المتنفذ. 

وأحيانا قد يعرض بعض أبناء أسرة الحكم نفسه وأسرته إلى الغمز اللمز وإسقاط الهيبة، بسبب صراعات دنيوية، أو مصالح شخصية، أو عبارات لا تتناسب مع مكانته، أو تصرفات صبيانية، وقد يكون بعضها تصرفاً عادياً عند الناس لكنها لا تتناسب مع أبناء الأسرة الحاكمة، وأتمنى لو تقارن بعض التصرفات عندنا، بتصرفات أبناء الأسر المالكة في بعض دول الخليج لتلمسنا الفرق. 

ولو نظرنا للأمر من زاوية ثانية، لوجدنا أن هناك عوامل أخرى تؤدي إلى اسقاط الهيبة تكون خارجة عن مسؤولية الشخص نفسه، فدور وسائل الإعلام في إسقاط هيبة الرموز لا يخفى على أحد، خذ مثالاً على ذلك حين دأبت بعض الصحف على إسقاط هيبة شيخ الدين، من خلال الرسوم الكاريكاتيرية، وزادت الطين بلة عندما حولتها إلى الرسوم الكارتونية، وصورت رجل الدين على أنه يقول ما لا يفعل، وأنه يتراقص على أنغام الموسيقى في الخفاء، بل إن أحد أشهر المسلسلات الكوميدية الخليجية أصبح يركز على تحطيم هذه الرمزية في نفوس الناس.

وكم رأينا جرأة بعض وسائل الإعلام وإن شئت فقل وقاحتها في استخدام أسوأ وأردى أنواع النقد عندما يتعدى الأمر إلى التجريح الشخصي والاتهامات الباطلة وتشويه السمعة لبعض نواب المعارضة وبصمت حكومي واضح يوحي بالرضا والقبول.

ومن العوامل التي تسقط الهيبة عدم تطبيق القانون، والتوسط للمخالفين، والذي قد ينجي من العقوبة ما يساعد على إمكانية تكرار الإساءة، نسمع عن التعدي على رجال الأمن، وعلى المعلمين، وعلى بعض المديرين والمسؤولين، وقد يكون التعدي بدنيا، أو لفظياً جارحاً، ومع هذا قد لا ينال المتعدي عقابه الرادع بل قد تخفف العقوبة وتستبدل بما يعرف بخدمات مجتمعية يعلم القاصي والداني أنها لا تسمن ولا تغني من جوع.

إن الآباء والأزواج والوزراء والنواب ليسوا فوق النقد لأنهم بشر يصيبون ويخطئون، ولكن لابد من أن ننزل الناس منازلهم، وأن نقيل لذوي الهيئات عثراتهم، جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ».