أقلامهم

مشعل الصباح يكتب عن الحريات في الإسلام وعلاقته بالأديان السماوية

 الشيخ مشعل مالك محمد الصباح

الحريات في الإسلام

المتساهلون يصفون المتمسكين بالدين والوسطية بأنهم متشددون وغلاة ومتطرفون ويرون الاباحية والتحلل من الدين والاخلاق تقدما ورقيا وحضارة ويقولون ان التمسك بالدين فيه كبت للحريات وعائق عن الانطلاق مع الحضارة العالمية.

إن الإسلام دين يعلي من قيمة الإنسان واعطاه القدر  الكافي من حرية التصرف على  الأرض والقدرة والإرادة على فعل الشيء ونقيضه، وكذلك احترام الإسالم حياة الإنسان، واعتبر من أحياها كأنما أحيا الناس جميعا، ومن قتلها متعمدا كأنه قتل الناس جميعا وجزاؤه جهنم، وإن النفس في الإسلام تشمل نفس الجنين الذي دبت به الروح والكبير كما ان الإسلام لم يترك النفس لتصرف الإنسان فإنه يعاقب المنتحر لان حياته هبة من الله ولا ينبغي له ان ينهيها إلا بمشيئة الله.

كذلك الإسلام لم يسمح للبشر ان يعبدوا الأصنام ولا بشر أمثالهم ولم يرض لهم الذل لغير الله الخالق، وأعلى الإسلام من شأن عمل المسلم واهتم به اهتماما أساسيا وجعل عمل الناس مربوطا بمصيرهم ففي سورة الروم قال الله تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}، وفي الحديث الشريف: «كيفما تكونوا يول عليكم».

كذلك جعل الإسلام الرأي والعقيدة ثمرة حقيقية لنتاج فكر الإنسان فلا إكراه لإنسان في اتباع شيء إلا باقتناع تام ولا تعذيب ولا يفرض على أحد عقيدة معينة إلا بالتفكير فبالنسبة لاتباع دين الإسلام يقول تعالى: {لا إكراه في الدين}.

وجعل الإسلام النية الحسنة روح العبادة «إنما الأعمال بالنيات» فالنية هي التوجه  الحقيقي المعبر عن حقيقة الفرد لذلك  الإسلام يجعلها روح العبادة والأعمال كلها.

أما بالنسبة لعلاقة المسلم بالمجتمع فالإسلام أرسى دعائم التعاليم والقواعد والأسس التي  تربط علاقة الإنسان بالمجتمع فهي علاقة تكامل وتكافل ومبنية على الرحمة والخدمة وفي ذلك ثواب من الله على كل عمل خير يؤديه المسلم تجاه المجتمع وهي رسالة الإسلام في حقيقة الأمر، فالإسلام أجزل الثواب لكافل اليتيم والمنفق في سبيل الله والمتصدق وجعل الزكاة التي هي أساس التكافل في المجتمع ركن من  أركانه.

أما عن علاقة الإسلام بالأديان السماوية الأخرى فان الإسلام يرى ان الدين كله لله وأنه دين واحد ولكن الاختلاف ليس في جوهر الدين إنما الاختلاف في شكل العبادات والعقوبات وغيرها فالإسلام يؤمن بجميع الرسائل السماوية السابقة وبجميع الأنبياء وأنهم جميعا جاؤوا بالحق وأن خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، قد رقى الإنسان إلى الأفضلية بين  الشعوب والقبائل بالتقوى والعمل الصالح فإن مقياس الأفضلية عند المسلمين بالتقوى والعمل الصالح.

إن علاقة الإسلام بالإنسانية علاقة طيبة تحترم الإنسانية وأن جميع الدول التي فتحت على أيدي المسلمين العرب اصبح الدين الإسلامي ظاهرا ومسيطرا على كل الأديان الأخرى ومع ذلك لم يكن المسلمون الفاتحون رجالا متخصصين بالدعوة مثل القساوسة والرهبان في المسيحية وذلك لان أخلاق المسلم الحق تظهر جلية أمام الكثير من الناس فيقتنع بالإسلام بلا حاجة إلى مجادلة أو إجبار أو غير ذلك فإن أخلاق المسلمين هي السببب الرئيسي في الانتشار السريع للإسلام.

ففي مصر مثلا قد اتبع الدين الإسلامي الكثير من المسيحيين في الوقت الذي لم يكتمل الفتح الكامل لمصر وكانت اجزاء كبيرة ليست تحت سيطرة المسلمين بل قد قام الذين اسلموا بالانضمام إلى صفوف المسلمين ومعاونتهم وكان منهم الرهبان أيضا فيوحنا  راهب دير سيناء اتبعهم وحارب معهم في بداية الفتح الإسلامي في مصر.

حتى ان الجزية التي كان يجمعها المسلمين كانت تقدر لاعتبارات إنسانية وكان يعفى منها الشايب والطفل والإناث والذي لا يعمل بالإضافة انها كانت تأخذ مقابل تأمين أنفس وأموال أهل الذمة الذي كان يعيش بحرية وأمان لأنه في ذمة الإسلام. وكان الإسلام في الدنيا عدلا وحكمة ورحمة هذا ما جعل الإسلام ينتشر بهذه السرعة وكان الإسلام يشرف على تطبيق العدل وكان أيضا يعتمد على الكفاءات من ابناء الوطن والبلدان المفتوحة ففي مصر مثلا كان وزراء المالية منذ الفتح إلى نهاية العصر الأموي من الأقباط وسمح للأقباط بممارسة شعائرهم ولم يضطهد أي مذهب من هذه المذاهب وكان يعتبر رؤساء الحكومة الذين يمثلون الخليفة من الأقباط وان الإسلام ساعد على إحياء اللغة القبطية مقابل اللغة اليونانية التي انتشرت في البلاد لم يأخذ الإسلام موقف المتعصب ضد الأديان الأخرى ولكن كان دائما يعتمد على العقل وضرب النموذج الأمثل للحياة الصحيحة العادلة الإسلامية الحقة.

إن ما حدث اليوم من  تخلي المسلمين عن أخلاقهم الحقة التي تعبر عن روح الدين الإسلامي والتي تعطي الجميع نموذجا ناجحا للحياة الصحيحة ما دفع إلى حدوث الكثير من المسائل الشائكة التي اتهم بها الإسلام من أن الإسلام دين تعصب وأنه يرفض جميع الأديان وهذا خطأ، ومن ناحية أخرى نرى المتحررين دعاة التحرر يتحررون من كل شيء حتى الدين الذي نستخلص منه المبادئ والتعاليم والسمحة التي ترضي وتوافق جميع البشر دون الغلو أو التفريط.