أقلامهم

لابد للثورات من تضحيات جسيمة .. لكن لابد من تحديد شكل المستقبل برأي وائل الحساوي

وائل الحساوي 

نسمات / هل تأكل الثورات أبناءها؟!

فرحنا بسرعة انهيار النظام التونسي دون إراقة الكثير من الدماء وتحرر الشعب التونسي من اضطهاد دام 23 عاما، ثم تبعهم النظام المصري الذي اسقطته مظاهرات سلمية دامت اقل من شهر غيرت الخارطة السياسية المصرية برمتها وبعثت آمالا بعهد جديد.

دفعت تلك الآمال بشعوب عربية في بلدان اخرى الى استسهال التصدي للأنظمة في بلدانهم ومحاولة ازاحتهم، لكننا فوجئنا على مدى الشهرين الماضيين بأنهار الدم تسيل يوميا في الشوارع بأيدي جلادين نزعت من قلوبهم الرحمة وأدركوا بأن استسلامهم لشعوبهم يعني نهاية حياتهم وليس فقط حكمهم فاستخدموا اقصى درجات القمع مع شعوبهم، ففي ليبيا بلغ عدد القتلى أكثر من عشرة آلاف والجرحى خمسين الفا ومازال الكر والفر وسياسة الارض المحروقة هي السائدة في معظم المدن الليبية، ومازال المجتمع الدولي يساعد المعارضة على استحياء وكأنه لا يريد ان يصل الامر الى تحرير ليبيا من ذلك الظالم.

اليمن كذلك شهد تظاهرات سلمية قابلها النظام بمجازر، ولا ادري ان كانت المبادرة الخليجية ستنجح في تخليص اليمن من ذلك الديكتاتور، اما سورية فانها تشهد عشرات القتلى يوميا بالرغم من سلمية الاحتجاجات.

نستطيع ان نكرر ما يقوله الاخرون ونقول ان هذه هي ضريبة الحرية والحياة الكريمة ونستشهد بقول الشاعر:

وللأوطان في دم كل حر

يد سلفت ودين مستحق

وللحرية الحمراء باب

بكل يد مضرجة يدق

لكن على الجانب الآخر، أليس من الحكمة ان نسأل أنفسنا: «هل هذا هو طريق التغيير الصحيح؟! وهل لا نستطيع ان نغير واقعنا الا من خلال تلك التضحيات الجسيمة؟! وهل نضمن الا يكون القادة الجدد الذين يمسكون بزمام الامور مثل القادة السابقين الذين كانوا يرفعون الشعارات نفسها ان لم يكونوا اسوأ منهم؟! وما الذي يضمن عدم تشرذم المعارضة في تلك البلدان وانقسامها على نفسها وقيام الصراعات بينها لاقتسام الكيكة؟! وماذا عن التدخلات الخارجية التي تراقب الامور ولا يمكن ان تسكت عن خسرانها لمصالحها في تلك البلاد؟! وهل حددت المعارضة اهدافها بعد الوصول الى الحكم وهل لديها الخبرات لادارة البلاد؟!

هذه الاسئلة تعتبر اسئلة مشروعة، وكان من المفترض الاتفاق على اجاباتها قبل ان تقوم الثورة في كل بلد، ولكن بالطبع ندرك بانها ثورات تلقائية لم يتم التخطيط لها وانما كانت بسبب تفجر شعبي بلغ مداه.

عندما أقرأ بعض مقالات المتحمسين الداعمين للثورة من دون تحفظ اتخوف باننا قد نصاب بالصدمة والذهول بعد ان يتطاير الغبار وتهدأ الأمور لنجد بان ما تفرزه الثورات من مشاكل اكبر مما كان الوضع عليه قبل قيامها، ومن يقرأ تاريخ الثورة الفرنسية يعلم بحجم الدمار الذي خلفته بعد نجاحها من قتل عشوائي وظلم وتصفيات، ثم سقوطها لصالح الملكية ثم فوزها حتى قيل انها مرت بخمس ثورات طاحنة حتى قيل ان الثورة تأكل ابناءها.

بالطبع فنحن لا نتمنى ان تزداد معاناة شعوبنا وبالمزيد من الدماء لكننا نعلم بان الانفجار العشوائي لا يؤدي بالضرورة الى اشكال منتظمة، وما لم نساعد الثوار على الامساك بزمام الامور في بلادهم فقد تكون الخسارة أكبر من الربح.