حسن العيسى
الله بالخير على مسرح القرود
«مشكورين وجزاكم الله خير» بالكويتي الفصيح نقولها لوزير الأشغال د. صفر في حكومة تصريف العاجل من «الخمول»، شكراً يا معالي الوزير حين اعترضت واستكثرت على المرحوم محمد مساعد الصالح أن يسمى شارع الصحافة (وكأن لديكم صحافة حقيقية وأصيلة) باسمه، وألغيت قرار المجلس البلدي، المثل الكويتي يقول «إذا ما تستحي سو ما تشتهي»، ولا يبدو أن لدينا في هذه الحكومة من يستحي ويخجل من سواد الوجه. اكتب الآن هذا المقال وأنا جالس على كرسي محمد مساعد وعلى طاولته وأشاهد ذكراه تعبر خيالي وتحفر كلمات الحزن على شريط ذكرياتي. أراه يجلس محدب الظهر قليلاً من وطأة المرض ويسحب ورقة ويكتب مقال «الله بالخير»، يكتبه كل يوم وفي مثل هذا الوقت، لم يكن يطلب أجراً من جريدة القبس، ولم يكن ليسأل عن نفع له، كان يعبر عن ذاته بحروف لا أكثر. ذاته كانت مهمومة بالفكر القومي، وكان له إيمان مطلق بقوميته العربية مهما اتفقنا أو اختلفنا معه في محتوى وأبعاد هذه القومية. ذاته كانت تحمل ثقلاً كبيراً لأحزان أمته العربية ووطنه الكويت وقبلهما كان الهم الإنساني أكثر وطأة على قلبه.
لأكثر من خمسين عاماً ظل محمد يكتب ويسجل لنا رؤيته لكل ما يحدث في الوطن الكويتي أو العربي أو الوطن الإنساني الكبير، وكان يسخر من نفسه إذا استأذن القراء للتوقف عن الكتابة في إجازة الصيف، ويختم مقاله بعبارة «رافقتني السلامة في حلي وترحالي»، فقد كان يتصور أنه لا أحد سيكترث لغياب عموده اليومي…! اليوم ليس قراؤك والناس هم الذين نسوك، بل السلطة الحاكمة تناستك مع سبق الإصرار، وتريد أن تفرض علينا أن ننساك، «مو عيب» يا حضرة الوزير أن تستكثر على محمد اسم شارع هو خلقه بداية بقلمه قبل أن تولد أنت بعقود…! أم أنك مغلوب على أمرك في هذا، وكان قرار شطب اسم محمد من على أسفلت الصحافة الكويتية قد أملي عليك سلفاً من كبار في السلطة «إن حبتك عيني ما ضامك الدهر»!، مثلما أملت عليك قبل ذلك تناسي وضع النقاط على الحروف في تحديد مسؤولية كارثة محطة مجاري مشرف حين أزكم آسنها أنوفنا كما خنقنا (ومازلنا) بروائح نتن الفساد في هذا البلد.
أكتب الآن بصفتي أحد أفراد أسرة محمد مساعد، وأقول لك يا معالي الوزير ولمن هم أعلى منك بأننا لسنا بحاجة كي تخلد ذكراه على شارع أو سكة سد. لا نريدكم أن تتذكروه، انسوه، وزيادة مني أقترح عليكم أن تغيروا اسم مدرسة والدي وجده لأمه يوسف بن عيسى، فلسنا بحاجة إلى مثل هذا التكريم ولا لأي فضلة منكم، فأنا حين أتجول في ضواحي وشوارع وطني أطالع أسماءها، وابتسم ثم أضحك بمرارة على «عطاء» أصحابها الراحلين لهذا البلد… وأظل أسأل نفسي إن كنا في وطن له تاريخه الكبير أم أننا في مسرح للمهرجين… ارفعوا الستار كي نشاهد مسرحيتكم السمجة… وسنصفق لكم ولعبث قدرنا معكم.
أضف تعليق