أقلامهم

عبدالهادي الجميل يأخذنا في استراحة بعيدة عن السياسة

عبدالهادي الجميل

الساحر الأعظم

لن أحدثكم عن الحكومة الجديدة، وذلك لانعدام الجدوى. سأحدثكم -بدلا من ذلك- عن كرة القدم وسحرها، وقد يقول قارئ: وماعلاقتك بكرة القدم؟ أقول له: قد لا تكون لي علاقة وثيقة بكرة القدم، ولكنها-بكل الأحوال- أوثق من علاقة وزير الكهرباء الجديد بالكهرباء، ومن علاقة مدير هيئة المعاقين الحالي بالمعاقين. فأنا-على الأقل- قد مارست كرة القدم خلال طفولتي وصباي.

سأروي لكم قصّة المباراة النهائية الوحيدة التي نجح فريقنا في الوصول إليها، كان الفريق المنافس يضم بعض لاعبي الأندية، بينما يضم فريقنا مجموعة من مرضى فقر الدم والمعتوهين وضعاف التعلّم و”ابو رجا”، وهو لاعب بفريق وفريق بلاعب. كان الله معنا في تلك العصريّة الحارة، فقد صدّت عارضة مرمانا الخشبية 5 أو 6 أهداف محققة. كانت خطّتنا تقوم على مبدأ” سرّحها ويهدّفها البخت”، فعندما يتحصّل حارس مرمانا على الكرة، كان يقذفها باتجاه منتصف الملعب حيث يقف”ابو رجا” عاطلا عن العمل. لم يكن قد تبقى على انتهاء المباراة سوى أقل من 5 دقائق عندما وصلت كرة نادرة إلى “ابو رجا” فتعالت صيحاتنا نطالبه بقذفها خارج الملعب لتضييع الوقت بغية الوصول الى ضربات الحظ الترجيحية، لكن كان لـ”طير شلوى” رأي آخر، فقد نظر نحو المرمى البعيد عن متناولنا وأحلامنا، ثم مرر الكرة بين قدمي أقرب منافسيه قبل أن يضربها من منتصف الملعب باتجاه المرمى الحلم مستغلا تقدّم حارس المرمى. لم نصدق أعيننا عندما عانقت الكرة الشباك. انطلق”ابو رجا” باتجاه الجمهور، وما أن وصل إلى خط التماس حتى ركع على ركبتيه ثم رسم الصليب بيده على جبهته وصدره كما يفعل النجوم العالميون. فاز فريقنا الرديء بالكأس، بفضل “ابو رجا” الذي كاد بحركته الصليبية البلهاء أن يُشعل حروب الردّة من جديد.

انقطعت علاقتي بكرة القدم منذ تلك المباراة، ففقدت سعادتي. لا يفقد الإنسان سعادته إلاّ عندما يتوقف عن لعب الكرة أو عندما يموت أبوه، وأنا أفتقد الاثنين. لا شيء يشدّني الان لمتابعة كرة القدم سوى سماعي عن بزوغ نجم جديد. أوّل ما أقوم به هو معرفة طول قامته، فإذا كان أطول من 170 سم؛ فإنني أتيقن من أنه ليس اللاعب المنشود. كرة القدم ليست لطوال القامة. أتكلّم هنا عن سَحَرة كرة القدم، اللاعبين الاستثنائيين، أصحاب المواهب النقيّة. لم تعرف كرة القدم –طوال تاريخها-سوى ثلاثة من هذه الفئة، أقدمهم بيليه وأحدثهم ميسّي البرغوث، أمّا سيّدهم وساحرهم الأعظم ونجم كل الأزمنة فهو دييغو أرماندو مارادونا.

يكفي أن تشاهدوا الهلع على وجوه لاعبي منتخب بلجيكا في الصورة المُرفقة، كي تؤمنوا بأن مارادونا كان أروع من أن يكون إنسانا. لا يشعر الإنسان بمثل هذا الرعب إلاّ عندما يواجه أسدا أو عندما يرى شيئا خارقا للطبيعة.