أقلامهم

كيف استطاع رجل الدين أن يسيطر على الناس ليقصي المثقف .. حكاية في مقال للشايجي

صالح الشايجي

حتى يتحقق الخلاص

الثورات السياسية في الدول العربية لا تشكل حلا للواقع العربي السيئ.

إن مسببات قيام الثورات العربية، هي نتاج لمشكلة مسكوت عنها ولا يقترب أحد منها، ولقد عشش في الذهنية العربية أن الاقتراب منها خطر وحرام وممنوع.

وأعني بها المشكلة الثقافية والمعرفية والفكرية، وسلطة المفكرين والمثقفين في كل قطاع على احتكار الفهم والقدرة على التشخيص والفهم وإيجاد الحلول.

إن ديكتاتورية المعرفة واحتكار سلطة العقل، أوجدا شعوبا مغيّبة عن واقعها ومحيطها الإنساني ودفعا بها إلى المناطق الهامشية وعديمة التأثير أو ـ وبمعنى أصح ـ إلى التأثير السلبي، من حيث تشكيلها الركيزة العددية الأكبر التي يعتمد عليها الحاكم أو هي التي تشكل قاعدة الحكم والنظام الحاكم.

إن موروثا ثقافيا عربيا تم تداوله وتأسيسه كقاعدة يحرم البناء على غيرها، هو الذي سبب هذه النتائج المأساوية، ولقد تم تحصين هذا الموروث الثقافي بـ «قدسية دينية» من أجل ضمان عدم المساس به والاقتراب منه، وذلك لتأكيد دوامه.

والدين ـ كما نعرف ـ لا يشكل سلطة على عقل الإنسان، بقدر ما هو سلطة على قلبه وضميره، ولم يكن يوما سيفا في يد أحد من الناس، ولا حائلا بينهم وبين شؤون حياتهم.

ولكن ـ ومع الأسف ـ حولته السلطات كي يكون كذلك، وهي السلطات مجتمعة، سلطة الحاكم وسلطة المتنفذ وسلطة المثقف، حتى شاع بين العرب والمسلمين فهم للدين هو في حقيقة الأمر ليس من الدين في شيء بل هو دين كيفي ومصنّع، وحين أجعل المثقف من بين هذه السلطات، فأعني به من ناحية المثقف الديني أو من يسمى برجل الدين، ومن ناحية مقابلة المثقف الدنيوي الذي صار ينظر للعموم على أنهم عديمو الفهم ورعاع وجعل بينه وبينهم حجابا، بينما المثقف الديني أو رجل الدين استغل ترفع هذا المثقف عن الناس وراح يرسم لهم لوحة دينية متخيلة تتماشى مع ما يحقق له سلطته بينهم وعليهم وربطهم بعالم غرائبي هو الذي يملك مفاتيحه.

الخلاصة أن الثورات العربية لابد أن تكون ثورات ثقافية لا سياسية حتى يتحقق الخلاص.