أقلامهم

بعد الحديث عن تلوث مياه زمزم عبدالله خلف يحكي قصة تحلية المياه في السعودية

 عبدالله خلف

قصة تحلية المياه في السعودية منذ 106 سنوات (Condenser)

تنتج المملكة الآن %20 من المياه المقطرة في العالم

غرقت بارجة حربية تركية في البحر الاحمر قرب سواحل مدينة جدة عام 1905، فأخذت منها وحدة تكثيف لتقطير مياه البحر ونصبت في ميناء جدة وعرفت باسم «كنداسة» فحققت نجاجا محدودا وان لم تكف مدينة جدة لأنها عملت لجنود البارجة، وهكذا كانت البواخر التجارية والحربية تعتمد على اجهزة لتحلية المياه ومنها محطة جدة التي نصبت هناك نظرا لاعتمادها على الفحم الحجري.

المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في المملكة العربية السعودية اصدرت كتابا يروي قصة تحلية المياه في منهج توثيقي يروي قصة الماء، وذكرت فيه ان المحطة الصغيرة التي اخرجت من البارجة الغارقة كانت بداية صناعة تحلية المياه ثم رأى الملك عبدالعزيز رحمه الله ان تقام محطة كبرى للتحلية في جدة قبل 84 عاما أي في سنة 1926.. وتطورت بعد ذلك المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة حتى بلغت عشرات المحطات على البحر الاحمر والخليج العربي ومددت انابيب المياه الى المحافظات وجميع المدن وتحدث محافظ المؤسسة السيد فهد الشريف في الكتاب عن هذه التجربة الرائدة وكذلك اشار السيد خالد بن محمد المنيفي مدير العلاقات العامة بالمؤسسة الى اهمية هذا الكتاب التوثيقي.. وهكذا روت هذه المؤسسة اكثر دول العالم شحا في المياه فصارت خيارا استراتيجيا لتوفير مياه الشرب حتى صارت السعودية الآن تنتج %20 من المياه المقطرة في العالم من المياه المالحة، و%42 من اجمالي انتاج دول مجلس التعاون الخليجي، وفي جريدة (الشرق الاوسط) بحث مطول في هذا الموضوع اعده السيد بدر الخريف من الرياض بتاريخ 2011/4/22، ان الناس في الازمنة القديمة كانوا اذا لاقوا الجفاف يهاجرون حيث تتوفر المياه في مصر أو العراق.

ومن القصص الطريفة الواردة في البحث المشار اليه انه كانت في جدة صهاريج ضخمة تحتفظ بمياه الامطار، حتى تعرضت لسنوات من الجفاف فقام «قانصوه الغوري» آخر سلاطين المماليك في مصر بمعالجة ازمة المياه في جدة اذ جلب لها الماء من عين وادي قوص الواقع شمال الدغامة شرق مدينة جدة وهي عين جارية تحت جبل وكلف المشروع أموالا طائلة وخصص الصهاريج الضخمة لتروي الحجاج والمعتمرين واهل مدينة جدة وتوصيلها الى مكة عن طريق قوافل الجمال والحمير التي تحمل القرب الكبيرة، وسميت العين الجارية باسم السلطان (العين الغورية) أو القنصوية، ودامت مياه العين قرنا ثم جفت، وفي سنة 1370 هجرية نهض تاجر مصلح اسمه فرج يسر وهو بالفعل اسم على مسمى، فجمع التبرعات واصلح عين الغورية وجرت من جديد، كما عالج ندرة المياه السلطان العثماني عبدالحميد الثاني فجلب الماء من عين تبعد عشرة كيلومترات سميت بالعين الحميدية، ومياه العين فيها تعذب ان هطلت الامطار وتعود الى ملوحتها ان انقطعت الامطار.

و(الكنداسة) الاولى، التي اخذت من بارجة أو باخرة تركية تحطمت قبالة شاطئ جدة بسبب الشعب المرجانية.. فأخذ منها جهاز تحلية الماء واخذ الاسم اللاتيني Condenser سنة 1905 وعرفت بكنداسة، وفي الكويت عرفت محطة التحلية عند انشائها في سنة 1953 بالكنديسة ومن اللفظ الانجليزي Condenser والكنداسة الاولى التي عرفت في جدة طاقة انتاجها 300 طن أو متر مكعب يوميا، وتخلص اهل جدة من المياه الملوثة المنقولة بواسطة الدواب وبجهد جهيد يحصل المرء على صفيحة أو صفيحتين وتدعى (بالزفة أو التنكة في السعودية).. وساقي (الزفة) الذي يحمل الصفيحة الواحدة على رأسه، وحامل الصفيحتين بالخشبة المرنة المعلقتين وندعوها الكندر في الكويت، واصحاب القرب على الدواب.. بالاضافة الى الآبار المحيطة بمدينة جدة، وكانت جدة فرضة لميناء مكة، وينبع فرضة لميناء المدينة المنورة.. وفي سنة 1320، ندرت المياه وتحكم السقاؤون واثروا ثراء فاحشا واصاب الحجاج العطش الشديد، وتغلب على الازمة وزير الحج المصري اللواء رفعت باشا فأحضر آلة بخارية لتقطير المياه في مدينة ينبع من على ظهر سفينة لمدة ثلاثة اشهر في موسم الحج.. حتى قال الشاعر محمد سعيد العتيبي:

يا ذوي الرّاي والحجي والكياسة

خلّصونا من دوشة الكنداسه

كلكم تاخذون بالدّس الموية

ويجينا البلاء من أجل كاسه

لو عطشتم كما عطشنا زعقتم

وهجرتم بشدة وحماسه

رحمةً بالفقير فهو ضعيف

بهدل الفقر عقله وحواسه

يشتري شربة بريال

بعد ان باع قشه ونحاسه

وهكذا حتى تكونت عشرات المحطات للتحلية على شواطئ البحر الاحمر والخليج العربي وتوفرت المياه العذبة الصافية.