أقلامهم

بودي يذكرنا بطبيعة تعامل الأمير الوالد رحمه الله مع المسؤولين وطريقته الانسانية في التواصل

جاسم بودي

كيف ننسى…

طلبني قبل سنوات معاتبا. استدعاني إلى مكتبه وسألني عن مقصدي مما كتبته. اجبته بأنني قصدت كل حرف كتبته وانني فعلت ذلك عن قناعة بل من منطلق محبتي له واعتزازي بما يمثله. ناقشني بطريقته الحادة التي يبدأ بها كلامه كالعادة واستحضر فورا الكويت ومصلحتها، ثم، كعادته أيضا، بعد أن يفرغ كل ما في قلبه يبادرك بالسؤال: «زين، كيف تشوف الحل إذا كان رأيك عكس رأيي؟».

في ذلك اللقاء استأذنته بتناول حبة دواء. نهض فورا من مقعده وطلب رؤية الحبة وما إذا كنت استشرت طبيبا حول مقاديرها. ثم اخرج علبة ادويته وقال لي مازحا ألا انصدم للكمية التي يتناولها يوميا. انصدمت فعلا لكنني تحاشيت أن أظهر له قلقي. سألته: «طويل العمر لماذا لا ترتاح؟»، وأكملت: «لقد أعطيت الكويت صدرك كل هذه الأعوام ولم تعطها ظهرك مرة واحدة. حملتها مع اخوانك يوم كادت تضيع وجعلتها قضية القضايا بالنسبة إلى الرأي العام العالمي. كنت حريصا ألا يشعر أي كويتي بالغربة عن وطنه حتى وإن كان داخل الوطن. كبرت الكويت مساحة ودورا ورسالة وأنت تحمل قضيتها على كتفيك من بلد إلى آخر ومن بيت إلى آخر. لم يكسر الغزو إرادتك ولم تنحنِ هامتك إلا في السجود، لكنّ لصحتك عليك حقا ولنا عليك حق الراحة بعد مسيرة كتبتها بأحرف من نور».

شكر لي حرصي على راحته لكنه عاد إلى التوتر والضيق مستحضرا الكويت وشعبها كالعادة. «كيف ارتاح؟ وماذا تطلب مني؟ هل تعرف ماذا تقول؟ البلد أعطانا الكثير. إخوة استشهدوا من اجل ترابه الغالي. أسرى ما زالوا في سجون صدام نعاني وتعاني أسرهم الشيء الكثير، وأنت تدعوني إلى الراحة بسبب تعب جسدي أو ألم؟»… ثم عاد إلى المقال الذي عاتبني عليه وأنا أعرف تماما في قرارة نفسي أن نصيحتي له بالراحة هي ما أضفى جوا من التوتر على اللقاء.

غادرت مكتبه وأنا أكثر إعجابا بطيبته وصدقه وصفاء مقصده وعزيمته ومحبته للكويت واهلها. وبعده بيومين تلقيت اتصالا منه وكانت هذه عادته، رحمه الله، في التواصل الشخصي والمباشر بعد «جلسة العتاب». أخبرني أنه يتصل فقط ليسألني ما إذا كنت استشرت طبيبي حول مقادير حبة الدواء التي تناولتها، فأخبرته بأنني فعلت شاكرا له حرصه وسؤاله.

في مثل هذا اليوم من ثلاث سنوات فقدت الكويت الأمير الوالد المغفور له الشيخ سعد العبدالله بعد صراع مع المرض لم يعترف به ولم يكن يريد لأحد أن يذكره به. عدت بالذاكرة إلى أحد لقاءاتي معه فقط لأخاطب روحه في عليائها بالقول إننا لا يمكن أن ننسى يوما من لم ينسَ لحظة الكويت وأهلها وشهداءها وأسراها وآلامها وآمالها.

رحمك الله يا أبا فهد… يا سعد الكويت.