أقلامهم

العلاج في الخارج بالشكل الحالي وصمة عار في مسيرة الكويت .. جاسم بودي

جاسم بودي

وصمة عار

تاهت نقاشات الجلسة الأخيرة لمجلس الأمة عن الوضع الصحي في متاهات التصعيد السياسي الذي أنتجته الجلسة السابقة… ومع ذلك لابد من التوقف عند القضية الصحية لعلاقتها المباشرة بأرواح الناس.

ربما كانت الكويت الدولة الوحيدة في العالم التي يغلف قطاعها الصحي كم كبير من الجعجعة السياسية من دون طحين. بمعنى آخر، لا تسطع شمس إلا وهناك نائب يحمل معاملة صحية، أو مسؤول يعرض وساطة ويستدرج العروض، أو مشكلة تحتاج إلى حل، أو وزير يشكو… ويشكى منه، أو خطأ في أحد المستشفيات، أو جدل على تعيينات وتنقلات وصل للأسف الشديد إلى مستويات منحطة من المذهبية والطائفية في مجال يفترض أنه الأرقى إنسانيا والأعظم تسامحا.

لكن النقطة الأبرز سوادا في هذا القطاع هي «العلاج في الخارج»، فهذا الملف تضخم وتورم وامتلأ بكل المخالفات والتجاوزات والواسطات بحيث أساءت غالبية مستفيدة من دون وجه حق إلى الأقلية المحتاجة فعلا. تحول العلاج في الخارج لدى كثيرين إلى صندوق اقتراع، أو مدخل لتكديس الأنصار والولاءات. صار جزءا من صفقة لمن يريدها وجزءا من معركة لمن يريدها… أما أرواح الناس فدخلت هي الأخرى سوق البيع والشراء.

ملف اسود… من هنا نبدأ. لأن دولة مثل الكويت يستحيل أن تدعي الحداثة والتطور ويصعب أن تفكر بالتحول إلى مركز مالي للمنطقة وقطاعها الصحي ما زال تحت رحمة العلاج في الخارج. دولة شهدت قبل نحو مئة عام ولادة أول مستشفى أميركي على أرضها بل أجريت فيه جراحات آنذاك ترسل اليوم إلى أميركا شخصا للعلاج من مرض عادي أو للخضوع لعلاج طبيعي.

ميزانية العلاج في الخارج منذ أعوام إلى اليوم تكفي لبناء مستشفيات في كل المحافظات، وتكفي لجلب الكفاءات الطبية العربية والعالمية من الخارج، وتكفي لزيادة عدد الأطباء الكويتيين، وتكفي لزيادة خبرات الموجودين حاليا وزيادة كفاءاتهم من خلال ارسالهم إلى أرقى المستشفيات والجامعات في دورات متخصصة، وتكفي لزيادة المعدات اللازمة لسد أي نقص في مستشفى. ثم أن الكويت غنية جدا اليوم بالأطباء الأكفاء الذين يسجلون انجازات عالمية في مختلف المجالات، وهؤلاء يستحقون الدعم والتشجيع ولا يستحقون الإحباط المتواصل الذي يفرض عليهم من خلال إرسال مئات بل آلاف المرضى إلى الخارج للعلاج بحجة عدم وجود قدرات أو امكانات محلية.

بعض الأطباء الكويتيين اليوم يستقبلون حالات من دول عربية مختلفة ويتعاملون معها على أفضل وجه، وهذا الكلام ليس عاطفيا أو من باب المبالغة بل هو موثق لمن يريد الاطلاع عليه، ونستطيع أن نجزم أن هؤلاء قادرون على معالجة تسعين في المئة من حالات العلاج في الخارج والأمر لا يحتاج إلا إلى ترتيب معين مع المستشفيات العامة والخاصة، إضافة إلى ذلك لا توجد مستحيلات في عالم الطب وإذا وجدت فإنها عندنا وعند غيرنا، وعليه فإن القدرات البشرية المتخصصة والتكنولوجية المساعدة يمكن أن تستقدم إلى الكويت وبتكلفة أقل بكثير من تكلفة إرسال المواطنين إلى الخارج… ويكفي الدولة ما تهدره على دراسات ومشاريع دراسات تطويرية وتنظيرية بمئات ملايين الدولارات لمشاريع تبقى مجمدة في الأدراج بينما صحة المواطن تنتظر وتئن.

العلاج في الخارج بالشكل الذي يتم اليوم وصمة عار في مسيرة الكويت، وكلما أراد وزير أو وكيل أو مدير الاعتراض ووجه بحملة عنيفة أخرجته من مهنيته ووطنيته. راجعوا جدول الحالات التي أرسلت، وبعضها نخجل من ذكره، كي تدركوا مكامن الهدر والخلل والتنفيع، وقبل هذا وذاك علينا أن نعيد الاعتبار إلى العلاج في الداخل تماما كما نريد إعادة «الاعتبار الكويتي» لكل القطاعات الأخرى اللهم إلا إذا كان عديمو المسؤولية أو المنتفعون يريدون للخدمات أن تبقى دائما لقيطة وأن نمضي العمر بحثا عن أب لها… تذكروا، فقط تذكروا اننا ما زلنا منذ 30 عاما نبحث عن حل لمشكلة البريد.

لنبدأ بثورة في القطاع الصحي ولتكن هذه الثورة مقدمة لزحف الهوية الكويتية على كل القطاعات بدل استجداء المساعدة وما ينتج عن هذا الاستجداء من أعباء مالية وهدر وفساد وإفساد.