برلمان

الشيوخ مادة للصراع وليسوا قادته
تحليل يستحق القراءة كتبه المحلل السياسي صالح السعيدي

تحليل سياسي   
 
تحول في آليات تسيير الصراع    
الشيوخ مادة الصراع وليسوا قادته
 


  


  


صالح السعيدي


مع طول الصراع السياسي واستدامته وتكرار جولاته، تتوالد أشكال أخرى من الصراعات الفرعية والجانبية تقفز في مراحل محددة ولحظات معينة الى مقدمة المشهد وواجهة الصورة. ويمتد ذلك التحول الى اليات تسيير الصراع ومفاتيح ادواته.
ومن ذلك ان ارادات الشيخين ناصر المحمد وأحمد الفهد أصبحت تتداخل وتتقاطع مع أهداف ومصالح القوى السياسية المشاركة لهما ومعهما في تفاصيل الصراع بفعالية، إلى درجة ان القوى السياسية الفاعلة أصبحت هي التي تدير بالفعل حلقات الصراع بين الشيخين وتدير حالة الاستقطاب السائدة بينهما.
فنواب كتلة الشعبي الخمسة ونواب «الوطني» الستة والنواب الأربعة المنضوون تحت كتلة الإصلاح والتنمية ومعهم خمسة نواب مستقلون نشطون آخرون في مجلس الأمة، هم اليوم الذين يصنعون الحدث في أغلب الأحيان ويرسمون معظم تفاصيله، وهم الذين يتحكمون في درجات الصراع ومستوياته أكثر من الشيخين ناصر وأحمد في أحيان كثيرة.
فالشيخ ناصر – مثلا – لا يستطيع صناعة حدث أو خلق جو سياسي معين حتى لو أراد ذلك بنواب محسوبين عليه بصراحة مثل عسكر العنزي أو سلوى الجسار أو بمن على طريقتيهما، ولا يمكنه الاعتماد على النموذج السياسي لهؤلاء واستخدامهم في سلاح سياسي فعال كالاستجواب.
وفي المقابل، فإن أحمد الفهد لا يستطيع – أيضا – حيث لو أراد ان يصنع بنواب مثل دليهي الهاجري أو سعدون حماد ظرفا سياسيا معينا أو جوا سياسيا محددا، كما لا يمكنه بالاعتماد على هؤلاء صناعة وادارة استجواب حقيقي ومؤثر في مجلس الامة.
أقصى ما يستطيعه الشيخان أحمد وناصر هو الدفع بمجموعات النواب الموالين لهما بتأييد ومساندة الاستجوابات الفاعلة التي تتقدم بها القوى السياسية المؤثرة، كــ «الشعبي» و«الوطني» أو «الاصلاح والتنمية» والوقوف خلف تلك القوى وليس أمامها.


السير خلف التكتلات
فالقطبان ناصر المحمد وأحمد الفهد، ورغم كل ما يمتلكانه من المكانة الاجتماعية والسلطة التي يحوزانها والثراء السياسي الذي يكتنزانه والقدرة الاعلامية التي يديرانها انها في واقع الحال وراء الحدث وليس امامه وخلف الفعل وليس في مقدمته، فالاثنان يتحركان خلف القوى السياسية الفاعلة في البلاد ويلتحمان معها في الاهداف في درجة معينة وعند مستوى محدد،
فلولا الخلاف العضال بين أحمد الفهد وكتلة العمل الوطني، لما جرى ما جرى لأحمد الفهد من حصار وهجوم وكيل الاتهامات، فمن دون هذا الشرخ الحاصل بين الطرفين لن يستطيع الشيخ ناصر المحمد وحده وبأدواته إزعاج الشيخ أحمد الفهد، حتى لو رغب في ذلك، فالرغبة الموجودة لدى كتلة العمل الوطني في إلغاء الدور السياسي لأحمد الفهد تفوق بمراحل القابلية الموجودة عند ناصر المحمد للهدف نفسه، فقرار إلغاء أحمد الفهد أخذته كتلة العمل الوطني من دون انتظار رأي ناصر المحمد، ومن دون انتظار موافقته، وعندما اتخذت الكتلة القرار لم يكن أمام الشيخ ناصر سوى خيارين، إما الامتناع عن المشاركة في المشروع، كما حدث في استجواب الوطني الذي اعتزم تقديمه في نوفمبر 2010، وإما السير وراء قرار الوطني في الهدف، كما حدث في مايو 2011. وعلى الجبهة الأخرى فلولا اجتماع كتلتي العمل الشعبي والإصلاح والتنمية على هدف إسقاط ناصر المحمد وملاحقته بالاستجوابات وطلبات طرح التعاون، لما تعرض المحمد لما تعرض من إنهاك متواصل، وتعكير مستمر على موقعه في رئاسة الحكومة.
فالإرادة المتوافرة لدى كتلتي العمل الشعبي والإصلاح والتنمية في إسقاط ناصر المحمد من على كرسي رئاسة الوزراء تتجاوز وتتعدى مستوى تلك الإرادة ذاتها الموجودة عند أحمد الفهد، إزاء هدف مثل إسقاط ناصر المحمد. وعندما اتفقت الكتلتان بعد أحداث ديوان الحربش على المضي قدماً في إسقاط ناصر المحمد في استجواب ديسمبر 2010 ، لم يكن القرار في توقيته وفي ظرفه ملائماً ومنسجماً مع ترتيبات أحمد الفهد، ولذلك تردد وامتنع عن المشاركة فيه.
***
في المحصلة، فإنه بمرور الوقت ونتيجة لقانون التكرار والتتالي، وبسبب التطورات والتحولات الجارية على أنماط وأشكال الممارسة السياسية في الكويت، فقد تحول المحرك الرئيسي للتفاعلات السياسية المحتدمة في الكويت، وهي القوى السياسية الفاعلة في البرلمان الكويتي، بدرجة تتجاوز الإرادة السياسية الموجودة لدى أقطاب الأسرة الحاكمة الى درجة تتعدى تفاصيل الأجندة التي يسيرون عليها، وتبعاً لذلك، فقد تحول الشيوخ الأقطاب من قادة للصراع السياسي إلى مادة له .