أقلامهم

مقال ساخن
د. حسن جوهر يستغرب كيف لم تذهب ميزانية الدولة إلى مستشفى المجانين!

مقال يجب أن يخلي له العقل جزءاً كبيراً من محتوياته ليحتل الصدارة.. مقال كُتب بحرقة وصدق وخوف على مستقبل البلد.. اعتبرته سبر مقالاً ساخناً: 


د. حسن جوهر


هل الميزانية مجنونة؟!


الميزانية الخيالية والمرعبة التي وصفها رئيس لجنة الميزانيات في مجلس الأمة بالمجنونة مرت بوقت قياسي أكثر جنوناً وفي أقل من 24 ساعة، وذلك بعد أن قرأ عليها السيد وربطها، ولكنها مازالت مجنونة كما أكد النائب سيد عدنان عبدالصمد للمرة الثانية!
والتحذير من حالة الهرج والمرج وعدم التزام الحكومة بأوجه الصرف في الميزانية العامة للدولة، والكثير من الهيئات والمؤسسات الحكومية، وضربها عرض الحائط بتقارير ديوان المحاسبة، والإصرار على التجاوزات المفضوحة والمكشوفة لم تكن جديدة، بل دعا إليها رئيس اللجنة أعضاء المجلس لشرحها بالتفصيل قبل عدة أشهر، ومع ذلك يجب أن تمر الميزانية بكل “خبالها”.
الميزانية التي لم تسترشد بالخطة التنموية ولا ببرنامج عمل الحكومة في إطار الخطة السنوية، ولم تعكس خطورة الاعتماد على النفط فقط، وانعدام رؤية تنويع مصادر الدخل فيها، وضآلة حجم المشاريع التشغيلية والرأسمالية في ظل شعار تحويل الكويت إلى مركز تجاري وعالمي مرت بسلام إلى الحكومة بدلا من تحويلها إلى مستشفى المجانين.
الميزانية التي “شرشحها” النواب على مدى يومين في مناقشات عامة لم تخلُ من مداخلات قيّمة وذات بعد اقتصادي واستراتيجي وقانوني رائع وبالإجماع تقريباً، تم التصويت عليها بالموافقة ليس من قبل النواب المؤزمين والمجانين، ولكن من قبل عقلاء المجلس والحكماء منهم، وعلى الرغم من وجود عجز كبير فيها من البداية مقداره 7 مليارات دينار، وهو ذات المبلغ الذي حققته الدولة في السنة المالية الماضية بسبب الفائض الناتج عن ارتفاع أسعار النفط!
الميزانية الجديدة وعلى الرغم من الاستبسال الحكومي حتى الرمق الأخير في إجهاض كادر المعلمين ومكافأة الطلبة وتسوية معاشات التقاعد للعسكريين ونجاحها في ذلك بقيت مجنونة ومرعبة، وتدق ناقوس الخطر إذا ما استمرت العقلية التي تدير شؤون البلاد دون رؤية اقتصادية متطورة وبعيدة المدى، على الرغم من أن المشرف عليها هو وزير المالية وهو رجل فني ومهني وعريق في الخبرة والتمرس على مدى عقود من الزمن!
إن سبب هذا الجنون كلّه، دع عنك حالة الجنون السياسي المهيمن على البلد، وجنون الحكومة المزمن في معالجة أوجه الخلل في المالية العامة للدولة، هو الجنون المشترك بين أغلبية النواب بمختلف توجهاتهم وتكتلاتهم البرلمانية في ضرورة إنهاء دور الانعقاد وعدم التفريط بأي يوم من الإجازة الصيفية الماراثونية وعدم الاستعداد للتضحية، ولو بشهر واحد للتفرغ للموازنة العامة للدولة وصدورها بشكل محكم ولائق، ولذلك فإنه جدير بالتفكير أن يعاد النظر في آلية مناقشة الميزانيات وتوقيتها على الأقل في منتصف دور الانعقاد بدلاً من كونها في ذيل المواضيع.
 وفعلاً إن قمة الجنون أن يستغرق نقاش التعديلات على قانون مثل الجمعيات التعاونية حوالي تسع سنوات، ويبحث في المجلس ولجانه على مدى أكثر من عشر جلسات، في حين أن الميزانية العامة للدولة وقيمتها 20 مليار دينار تنجز خلال ساعات، وتقر قبل فض دور الانعقاد بدقائق، ليبقى السؤال المحير من المجنون الحقيقي؟!

الوسوم