أقلامهم

غانم النجار يلمح الى دور إيراني وراء التصعيد العراقي الأخير ضد الكويت، ويتحدث عن حقبة الصيف كموعد للخلافات

حالة صيفية
د. غانم النجار
 
من غير المعروف لماذا يحرص بعض السياسيين في العراق على إثارة وتوتير العلاقة مع الكويت في حقبة الصيف، فنحن لنا تجارب صيفية لا تسر الخاطر مع إخوتنا في العراق. وهكذا بات علينا أن نتوقع هبة تصريحات نارية من العراق تهب علينا صيفاً، حتى لو كانت حول موضوع وهمي كالاعتراض على إنشاء مفاعل نووي قرب الحدود. ومع أن الحدود الكويتية- العراقية هي الأهدأ والأقل إشكالية بشهادة المسؤولين العراقيين من بين حدودها الأخرى، فإن افتعال التوتر مع الجار الأصغر أصبح أمراً مكرراً، في حين يخرس أولئك عن الحديث عن تدخلات إيران أو تركيا أو غيرهما التي وصلت في بعض الحالات إلى التوغل والقصف العسكري، ناهيك عن التدخلات في الشأن الداخلي. من مصلحة البلدين الكويت والعراق تعزيز التعاون في سبيل تعمير العلاقة لا تدميرها، فقد ذقنا الأمرّين من حالة الانفلات والجموح التي قد تصيب حاكماً هنا أو حاكماً هناك فيغريه جموحه وربما جنون عظمته ليقوم بمغامرة جنوباً فيؤدي ذلك إلى دمار له ولنا.
ولعل أكبر أزمتين تم تصعيدهما عراقياً فتحولتا إلى أزمة دولية كانتا الأولى التي جاءت بعيد استقلال الكويت في 19/6/1961، والثانية التصعيد الذي بدأ في يوليو 1990 وما تلاه من غزو في 2/8/1990.
فبعد أن أعلنت الكويت استقلالها ولم يمض أسبوع واحد حتى عقد رئيس الوزراء العراقي عبدالكريم قاسم مؤتمراً صحافياً ليعلن فيه بطلان الاستقلال انطلاقاً من تبعية الكويت للعراق، واستناداً إلى أن العراق الحديث وريث شرعي للإمبراطورية العثمانية التي كانت تصنف الكويت قضاءً تابعاً لولاية البصرة. الشاهد أن ذلك المؤتمر الصحافي تم دون علم أحد ودون أن يستشير قاسم أحداً، بل إن الخارجية العراقية كانت قد جهزت برقية تهنئة للكويت إلا أنه أوقفها وبعث بدلاً منها ببرقية متوترة، وحتى مؤتمره لم يكن أقرب المقربين له يعرف شيئاً عن فحواه بل كانوا يظنون أنه سيتحدث عن النفط، لكنه فاجأ الجميع بهجومه على الكويت، ترتب على ذلك دعوة القوات البريطانية بما عرف حينها بعملية «فانتج» ثم استبدالها بعد أربعة أشهر بقوات عربية.
تكرر الحدث مرة أخرى وإن بتفاصيل أشد قسوة في 1990 حيث بدأ صدام حسين منذ احتفالات تموز الهجوم على الكويت والإمارات «وقطع الأعناق ولا قطع الأرزاق» إلى أن فعل فعلته الشنعاء وغزا الكويت في أغسطس 1990، صدام كذلك اندفع فردياً دون إبلاغ أحد، وتصرف بكتمان شديد إلى أن أعلن ضم الكويت إلى العراق.
في الحالتين 1961 و1990 كان العنصر الأجنبي حاضراً، فقيل إن ترتيباً ما قد تم بين سفير بريطانيا همفري تريفليان وقاسم موعزاً له بإعلانه تهديد الكويت، وفي 1990 أيضاً قيل ما قيل ونشر عن اللقاء الذي تم بين صدام والسفيرة الأميركية إيريل غلاسبي وفهمه لإشاراتها بأن الولايات المتحدة لن تتدخل في ما لو غزا صدام الكويت. وتبقى الحقيقة الواضحة أنه لولا تهديدات قاسم لما استدعى الشيخ عبدالله السالم القوات البريطانية وهو من هو في رفضه للوجود الأجنبي في الكويت، ولولا غزو صدام للكويت لما جاءت القوات الأميركية والحلفاء إلى المنطقة.
لا يدرك الساسة العراقيون أن تصريحاً أهوج واحداً يعيد الحالة النفسية إلى الوراء، حتى لو جاء ذلك التصريح بسبب تكتيكي، أو للإزعاج فقط، أو بإيعاز من دول جوار قد تكون هي المسيطرة على الكثير من المفاصل السياسية العراقية.
نحن بحاجة إلى مزيد من الهدوء والتأمل والتركيز على مصالحنا المشتركة، وما أكثرها، وترك الزَبَد وغثاء السيل جانباً وإلا فسنظل ندور في ذات الحلقة المفرغة. وللحديث بقية.