أقلامهم

بدر الديحاني يكتب عن الميزانية المجنونة والعمل السياسي الموسمي

ميزانية مجنونة وعمل سياسي موسمي
د. بدر الديحاني

إن عدم تنظيم العمل السياسي جعل أغلب العمل السياسي والعام يتمحور حول متابعة تصرفات وسلوكيات أعضاء مجلس الأمة، وهو الأمر الذي يجعل عمل الأغلبية العظمى ممن يدعون أنهم «نشطاء سياسيون» يتمركز حول انتقاد تصويت هذا النائب في لجنة برلمانية معينة أو تصريحاته الصحفية اليومية أو موقفه من استجواب معين، لهذا فإن نشاط ما يسمى «النشطاء السياسيين» يتوقف عندما تبدأ إجازة النواب الصيفية التي تمتد قرابة الأربعة أشهر!
العمل العام في الكويت، على خلاف ما هو معمول به في الدول الديمقراطية، هو عمل موسمي يبدأ مع بداية عمل مجلس الأمة وينتهي بانتهائه، كما أن العمل العام لدينا عبارة عن “دوام جزئي” يقوم به أشخاص غير متحرفين يغلب على أعمالهم وتصرفاتهم وسلوكهم طابع العمل الفردي ذي المصلحة الشخصية البحتة، وهذا راجع إلى فوضوية العمل السياسي وعدم تنظيمه على شكل أحزاب أو قوى سياسية لها صفة قانونية؛ لذا فمن النادر جدا أن تجد لدينا ساسة محترفين من وزراء ونواب وعاملين في العملين السياسي والعام، من الذين يعرفون متطلبات العمل العام ويجيدون كيفية إدارته بشكل مهني وسياسي راق بما يعود بالنفع على عامة الناس، وليس عليهم كأفراد يبحثون عادة عن المجد الشخصي والانتفاع المصلحي المباشر.
من ناحية أخرى فإن عدم تنظيم العمل السياسي جعل أغلب العمل السياسي والعام يتمحور حول متابعة تصرفات وسلوكيات أعضاء مجلس الأمة، وهو الأمر الذي يجعل عمل الأغلبية العظمى ممن يدعون أنهم “نشطاء سياسيون” يتمركز حول انتقاد تصويت هذا النائب في لجنة برلمانية معينة أو تصريحاته الصحفية اليومية أو موقفه من استجواب معين، لهذا فإن نشاط ما يسمى “النشطاء السياسيين” يتوقف عندما تبدأ إجازة النواب الصيفية التي تمتد قرابة الأربعة أشهر!
زد على ذلك أن “تحليلاتهم” السياسية كما هي “تحليلات” أغلب النواب والوزراء لا تعدو أن تكون انطباعات شخصية لمواقف فردية بحتة تكون عادة وليدة اللحظة، أي أنها ليست تحليلا سياسيا عميقا بمعنى الكلمة مبنيا على معلومات وأرقام وإحصاءات ومواقف مبدئية ثابتة، وهو الأمر الذي يجعل أغلب تصريحاتهم ومواقفهم متناقضة، وتفتقر إلى الدقة، وتتميز بالسطحية والتركيز على القشور، فتطرح عادة حلولا ساذجة لموضوعات عامة معقدة.
خذ على سبيل المثال لا الحصر موقف “النشطاء السياسيين” والأعضاء من إقرار الميزانية العامة المليارية “المجنونة” التي رغم ضخامة المصروفات العامة الواردة فيها ورغم ما يعتريها من مآخذ وشبهات فإن “نشطاءنا السياسيين” وأعضاءنا و”قوانا السياسية” لم يعيروا ذلك أي اهتماما يذكر، فلم تعقد حتى ندوة واحدة عامة قبل إقرارها تبين خطورتها، وما سيترتب عليها من استنزاف رهيب للمال العام.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر فإن العالم يحبس أنفاسه حاليا بانتظار ما ستسفر عنه “معركة” أزمة الدين الأميركي بين الرئيس أوباما والكونغرس، إذ يحاول الرئيس الأميركي رفع السقف القانوني للمديونية قبل تاريخ 2 أغسطس القادم وإلا تعثرت أميركا في الوفاء بالتزاماتها الخاصة بالدين العام، وهو الأمر الذي ستكون له نتائج كارثية على العالم قاطبة تفوق في حدتها وشراستها الأزمة المالية الرأسمالية المستمرة منذ الربع الأخير من عام 2008. وبالرغم من قساوة الأزمة المالية التي قد يواجهها العالم في حالة فشل حل أزمة الدين الأميركي والتي تتطلب تشكيل “إدارة أزمة” على مستوى الدولة فإن أعضاءنا ووزراءنا أقروا الميزانية “المجنونة”، ثم “أغلقوا” المجلس وبدؤوا مع “نشطائنا السياسيين” إجازتهم الصيفية الممتدة حتى بداية “الموسم السياسي” في أواخر أكتوبر القادم!