أقلامهم

جاسم بودي عن البورصة والإقتصاد: الجسد العليل يحتاج الى جراحات لا مسكنات

 الاقتصاد والبورصة … من يجرؤ على القرار؟


جاسم بودي 
 
مضطرون للمرة الألف أن نكرر أن البورصة ليست الاقتصاد بل هي مرآة تعكس أداء قطاعات اقتصادية. وما أشبه اليوم بالبارحة، بعام 2008، حين انهارت البورصة وخطفت أنفاس الكويت معها وصادرت أزمة سوق المال كل الأزمات الأخرى وغطت عليها وبدأ الصياح والصراخ والولولة… كبر الإفلاس وكبر الدين وكبر الضياع وصغرت رؤية الحل.
هل تذكرون أزمة 2008؟ يومها قلنا إن الجسد العليل يحتاج إلى جراحة لا إلى مسكنات، وقلنا إن كل فلس تصرفه الحكومة لتحريك البورصة بالأنابيب الاصطناعية هو فلس ضائع مرمي في البحر ينسحب من الخزينة ولا يحقق حلا على المدى الطويل.
المطلوب تحريك الاقتصاد لا تحريك البورصة. إنعاش الاقتصاد لا إنعاش الأسهم. ضخ الدماء في شرايين الاقتصاد لا ضخ السيولة في سوق الأوراق. المطلوب ان تشكل خطة التنمية رافعة لكل القطاعات الاقتصادية لا أن تقتصر على مشاريع انشائية وتطوير طرق ومد جسور. كانت الكويت مركز تجارة الترانزيت وإعادة التصدير لكثير من السلع والخدمات للمنطقة، وكنا نسمع يوميا عن اتفاقات ضخمة مع هذه الدولة أو تلك أو هذه الشركة أو تلك، أما اليوم فجل ما نسمعه هو انباء الضبطيات الفاسدة للأغذية والمنتجات وانباء التهريب واستيراد المهرب… بئس الحال الذي وصلنا اليه.
أين الحركة التجارية المتعلقة بقطاعات التجزئة والمقاولة والخدمات الرائدة سابقا في المنطقة؟ من بقي من هؤلاء إنما بقي بجهد ذاتي وسط لا مبالاة من الحكومة ومحاربة من المجلس. ولماذا يبقى التاجر «حرامي» حتى يثبت العكس؟ التجار هم أحد أضلاع الصيغة التي كونت النظام في الكويت وإطلاق النار السياسي المستمر عليهم قد يدفعهم إلى البحث عن بيئة أفضل للعيش والعمل خصوصا بعدما أصبح العالم قرية صغيرة.
وضع المختصون، وبينهم محافظ البنك المركزي، أصابعهم على الجرح. قالوا إن الاعتماد على مصدر واحد للدخل وخلل الموازنة وتضخم الإنفاق وتدخل الدولة وغياب الرؤى الاستراتيجية هو ما يعيق تطوير الاقتصاد وتحويل الكويت إلى مركز مالي في المنطقة. لذلك يبدو اختصار الأزمة بانهيار أسهم احتقارا لعقل الانسان الكويتي لان الخوف هو من انهيار الاقتصاد… الذي يعني انهيار منظومة اجتماعية متكاملة… الذي يعني انهيار البلد.
العلاج مؤلم لكن أحدا ربما لا يجرؤ على اتخاذ قرار. لا الحكومة السائرة بمنطق ردود الفعل وتطييب الخواطر ولا النواب الذين ينشدون شعبية وولاءات على حساب الخزينة العامة… هل سمعتم عن بلد واحد في العالم يعلن المرشح فيه عن برنامج انتخابي هدفه إسقاط قروض المواطنين؟ هل رأيتم بلدا واحدا في العالم يقر كادرا وظيفيا هنا ويحجبه هناك. يكافئ هنا ويحرم هناك. يزيد هنا وينقص هناك… استنادا الى ضغوط مقبولة وأخرى مرفوضة؟
وقف الهدر وشد الأحزمة في المقام الأول مهما كانت القرارات غير شعبية، وتفعيل دورة العمل ونفض الغبار عن الأداء ومحاربة البيروقراطية والفساد لزيادة الانتاجية. وضع الخطط التي تتناسب مع ظروف البلد وامكاناته الاقتصادية والمالية والتفكير في المستقبل كي لا نورث الجيل القادم خزينة مليئة بالديون والهموم والعجز. يترافق ذلك كله مع وضع خطط فورية لتفعيل كل القطاعات الاقتصادية المنتجة وتحديدا الصناعة والخدمات وتجارة الترانزيت، وإنجاز المشاريع التنموية الحقيقية التي تتجاوز توسيع الطرق الى فتح طرق جديدة أمام الإنسان الكويتي ومستقبله.
إذا وضعنا الاقتصاد الكويتي على السكة الصحيحة فلن تعود البورصة مصدر قلق لأحد. أما اذا كان الاقتصاد يعاني من مرض ضعف المناعة فأي هزة في البورصة ستهز البلد، وأي مسكنات علاجية مهما كانت مضاداتها الحيوية قوية ستفقد فاعليتها مع الايام… هذا إذا لم نقل إن الإجراءات الارتجالية التي تريح البعض راهنا هي «الفيروس» الحقيقي الذي ينخر جسد الكويت.