برلمان

محمد هايف والمادة الثانية

بعد أن أعلن النائب محمد هايف المطيري رغبته في تعديل المادة الثانية من الدستور، انقسم الناس ما بين مؤيد ومعارض.. ونظراً لأهمية الموضوع – موضوع تعديل الدستور – فقد ارتأت سبر نشر كل ما يتعلق به، تأييداً أو معارضة، على أن يكون جديراً بالنشر..

وها هي مدونة الدستور تكتب ما هو جدير بالنشر، وتفتح أبواب النقاش أمام الطرفين:

محمد هايف و المادة الثانية

فجأة وبدون مقدمات و بطريقة خير وسيلة للدفاع هي الهجوم تقدم النائب محمد هايف المطيري بتعديل المادة الثانية من الدستور و التي تنص على : 

دين الدولة الإسلام و الشريعه الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع 

و إستبداله بالنص التالي : 

دين الدولة الإسلام و الشريعه الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع

طلب التعديل المقدم من النائب محمد هايف لم يكن الأول بل سبقه مشاريع قدمت لتعديل المادة المذكورة أعلاه من قبل أعضاء في مجلس الأمة، مثال على ذلك مشروع القانون الدستوري بخصوص تعديل المادة الثانية من الدستورالمقدم من أربعة و عشرين عضواً بتاريخ 1973/4/19 و كذلك مشروع القانون المقدم من اثنين و عشرين عضواً بتاريخ 1975/5/26 و غيرهم في مجلس 92 و مجلس 96 على إعتبار أن المادة 175 من الدستور تجيز تعديل القوانين و التي تنص على : 

للأمير و لثلث أعضاء مجلس الأمة حق اقتراح تنقيح هذا الدستور بتعديل أو حذف حكم أو أكثر من أحكامه أو إضافة أحكام جديدة إليه ، فإذا وافق الأمير وأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس الأمة على مبدأ التنقيح و موضوعه ناقش المجلس المشروع المقترح مادة مادة وتشترط لإقراره موافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس ولا يكون التنقيح نافذاً بعد ذلك إلا بعد تصديق الأمير عليه وإصداره و ذلك بالاستثناء من حكم المادتين 65 و 66 من الدستور …

إذاً لماذا أصرار الكثير من النواب على تعديله ؟ ننظر مرة أخرى الى المادة الثانية وإلى المذكرة التفسيرية التي تنص علي : 

وضع النص بهذه الصيغة ( الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع ) ما هي إلا توجيه للمشرع وجهة إسلامية أساسية دون منعه من استحداث أحكام من مصادر أخرى في أمور لم يضع الفقه الإسلامي حكماً لها أو يكون من المستحسن تطوير الأحكام في شأنها تماشياً مع ضرورات التطور الطبيعي على مر الزمن بل إن في النص ما يسمح مثلاً بالأخذ بالقوانين الجزائية الحديثة مع وجود الحدود في الشريعة الإسلامية و كل ذلك ما كان يستقيم لو قيل و الشريعة الإسلامية هي المصطر الرئيسي للتشريع إذ مقتضى هذا النص عدم جواز الأخذ عن مصدر آخر في أي أمر واجهته الشريعة بحكم مما قد يوقع المشرع في حرج بالغ إذا ما حملته الضرورات العملية على التمهل في إلتزام رأي الفقه الشرعي في بعض الأمور و بخاصة في مثل نظم الشركات و التأمين و البنوك و القروض و الحدود و ما إليها ، كما يلاحظ بهذا الخصوص من النص الوارد بالدستور و قد قرر أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع إنما يحمل المشروع أمانة الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية ما وسعه ذلك ، و يدعوه إلى هذا النهج دعوة صريحة واضحة و من ثم لا يمنع النص المذكور من الأخذ عاجلاً أو آجلا بالأحكام الشرعية كاملة في كل الأمور إذا رأى المشرع ذلك.

إذاً المذكرة تتضمن صراحة وجوب أن يحمل المشرع أمانة الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية و لهذا أرتأى بعض أعضاء المجلس في السبعينيات تعديل هذه المادة خشية الوقوع في اقتراحات أو قوانين تتعارض مع القوانين الموجودة في الشريعة الإسلامية.

وأمام هذه الإقتراحات رأت الحكومة آنذاك في إجتماعها المنعقد بمجلس الوزراء بتاريخ 1981/4/12 برئاسة المغفور له بإذن الله الشيخ سعد العبدالله و كانت اللجنة تضم كلاً من :

الأستاذ / بدر ضاحي العجيل 

الأستاذ الدكتور / عثمان عبدالملك الصالح 

الأستاذ / فارس عبدالرحمن الوقيان 

الأستاذ الدكتور / خالد مذكور المذكور 

و كان رأي اللجنة قد انتهى إلى : 

إن نص المادة الثانية من الدستور بصياغته القائمة لا نجد أي معوق أو حاجز يحول دون الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية كاملة و في كل الأمور كما أن إقتراح تعديل المادة الثانية من الدستور بحيث يتضمن النص أداة التعريف فتكون الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي ليس له من مبرر سوى إلزام المشرع العادي بإستعمال الرخصة الدستورية الوارة في المادة الثانية من الدستور في وضعها الحالي.

وإن مؤدى هذا التعديل لو تحقق و طبق فعلاً مع أداة التعريف يكون تعذر الأخذ عن أي مصدر آخر غير الشريعة من الناحية العملية فضلاً عن أن تعديل المادة الثانية بالصورة المقترحة قد يثير مسألة تعديل بعض أحكام الدستور حتى يتحقق الإنسجام ما بين أحكامه. 

إن جعل الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي أو الوحيد للتشريع إن كان أمراً سهلاً في بلاد ليس فيها قانون وضعي فإنه على خلاف ذلك في بلد يطبق فيه القانون الوضعي فيجميع المجالات كما هو الحال في الكويت فالكويت يحميه دستور جامد له السمو على جميع القوانين يعني أن مجرد إدراج هذا النص يترتب عليه بطلان جميع القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية على أساس أنها ستصبح غير دستورية لمخالفتها قاعدة عليا هي نص الدستور الجامد و خاصة القوانين الجزائية و تلك المتعلقة بالشركات و التأمين و البنوك و القروض و الفوائد و غيرها من القوانين متى ما ثبتت مخالفتها لحكم شرعي .

كذلك سيترتب و جود فراغ قانوني و هو فراغ لا يقف أثره عند حد تخلخل المراكز القانونية و الإضرار بإستقرارالحقوق و المعاملات فحسب بل يتعداه إلى حدوث حالة من الفوضى القانونية في كثير من المجالات.

إن التعديل المقدم سوف يضع القاضي أمام صعوبة وعقبة كأداء يستحيل عليه تخطيها ويحتاج إلى مقدرة ومرونة خاصة وإلى تكوين فقهي متين لم يتهيأ لأكثر قضاة هذا الزمن كما أن هنالك و قائع وحوادث تقتضي حلاً جديداً كأعمال البنوك و الشركات بأنواعها المختلفة و التأمين . 

إن الأخذ بالتعديل المقترح دون إيجاد القوانين البديلة سوف يؤدي إلى إغراق المحكمة الدستورية بسيل من الطعون بعدم دستورية القوانين و بناء على ما سبق ترى اللجنة ضرورة تنقيح القوانين القائمة بما يتفق و أحكام الشريعة الإسلامية قبل إجراءالتعديل المقترح على المادة الثانية من الدستور . 

في النهاية وأعذروني على الإطالة أرى أن التعديل المقدم من النائب محمد هايف مأخوذ خيره فالنائب يرى بأن تقديم التعديل هو إبراء للذمة و هو يدرك قبل غيره صعوبة تعديله إذ يتطلب موافقة ثلثي المجلس بالإضافة إلى موافقة الأمير و هذا الأمر من الصعب جداً تطبيقه في الوقت الحالي لذلك بدلاً من أن يتوجه الأعضاء إلى تبنى هذا الأمر ف من باب أولى توجيه جهودهم إلى تبنى تعديل القوانين و مدى ملائمتها للوضع الحالي.