أقلامهم

هل فاجأت دول الخليج العربي النظام الإيراني عندما وضعت حداً لأطماعها في البحرين؟.. يتساءل خيرالله خيرالله

الخليج فاجأ إيران في البحرين.. ولكن ماذا عن لبنان؟


خيرالله خيرالله


هل فاجأت دول الخليج العربي النظام الإيراني عندما وضعت حداً لأطماعها في البحرين؟ يبدو هذا السؤال مشروعاً في ضوء اتخاذ طهران في الأيام والأسابيع القليلة الماضية مواقف أقلّ تشنجاً من الدول العربية الخليجية. من بين هذه المواقف الاستعداد لفتح صفحة جديدة مع المملكة العربية السعودية وإعلان وزير الخارجية الإيراني علي اكبر صالحي في الوقت ذاته أن بلاده تحترم السيادة الوطنية للبحرين. قبل أربعة أشهر كان الوزير نفسه يحذّر من أن إيران «لن تقف مكتوفة في حال أي تدخل سعودي في البحرين».
حصل التدخل، ولم يكن سعودياً صرفاً، وذلك بعد شهر من صدور هذا النوع من التصريحات عن الوزير الإيراني. وكانت النتيجة أن إيران لم تحرك ساكناً باستثناء متابعة لعب ورقة التحريض المذهبي من أجل اقناع نفسها بأنها لاعب إقليمي وأن لديها مصالح تتجاوز حدود «الجمهورية الإسلامية».
على الرغم من ذلك، لا تزال هناك شخصيات إيرانية تردد مواقف منددة بدول الخليج العربية تتسم بروح عدائية تجاه البحرين. انها جزء من اللعبة التي يمارسها النظام الإيراني والتي تقوم على الابتزاز وليس إلاّ. كذلك، يمكن أن تكون هذه اللعبة في سياق المزايدات التي يمارسها هذا المسؤول أو ذاك من أجل اثبات أنه لا يزال متمسكاً بسياسة «تصدير الثورة» إلى الخليج أو إلى هذا البلد العربي أو ذاك، كما لو أن لدى إيران نموذجاً ناجحاً تصدره الى العالم!
هل التراجع الإيراني مجرد تراجع تكتيكي ترافق مع رفض ظهور رغبة واضحة لدى دول مجلس التعاون، خصوصاً لدى السعودية والإمارات وقطر والكويت في تأكيد أن لا عودة إلى خلف في البحرين، وأن قلب الوضع في المملكة الصغيرة انطلاقاً من معايير مذهبية غير مقبول، بل هو «خط أحمر».
بغض النظر عما إذا كان التراجع الإيراني تكتيكياً أم لا، استطاعت دول الخليج العربية وضع إيران في مكانها الصحيح عن طريق التأكيد لها أنها لا تخشاها وأن هناك توازناً للقوى في المنطقة لا يمكن لأي جهة إلاّ أن تأخذه في الاعتبار.
ولت الأيام التي كانت فيها إيران تهدد دول الخليج وتخيفها معتمدة على تغيّر موازين القوى في المنطقة في ضوء الزلزال العراقي الذي افتعلته الولايات المتحدة. استطاعت إيران أن تخرج منتصرة من الحرب الأميركية على العراق. هذا صحيح. بل يمكن القول انها المنتصر الوحيد في تلك الحرب. انطلقت مما تحقق في العراق لتجعل النظام السوري تحت رحمتها، خصوصاً بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 واضطراره إلى سحب قواته من الأراضي اللبنانية. أوليس الهدف من غزوة بيروت في مايو من العام 2008 تأكيد أن العاصمة اللبنانية ليست سوى مدينة إيرانية على البحر المتوسط وأن هناك ميليشيا إيرانية قادرة في أي لحظة على احتلالها معتمدة على عناصر لبنانية تشكل عديد هذه الميليشيا التابعة لحزب مذهبي مرجعيته في طهران؟ من دون الحاجة للذهاب بعيداً إلى خلف، أي إلى حرب صيف العام 2006 المفتعلة التي استهدفت اخضاع لبنان والانتصار عليه أوّلاً، أوليس تشكيل الحكومة اللبنانية أخيراً دليل على أن إيران هي اللاعب المحوري في الوطن الصغير وأنها ستبذل كل ما تستطيع لانقاذ النظام السوري حتى لو تطلب الأمر اجبار نواب معينين على رأسهم الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وآخرون على خيانة من أتوا بهم الى مجلس النواب؟
اعتقدت إيران أنها اخترقت العالم العربي في كل الاتجاهات وعلى كل الصعد، وأنها أقامت محوراً يمتد من طهران إلى بيروت مروراً بدمشق وبغداد وصولاً إلى غزة. حاولت حتى اختراق المغرب الذي تصدى لها بقوة وحزم لمنع نشر الفتنة فقطع العلاقات الديبلوماسية معها من دون أدنى تردد. اعتقدت أن أحداً لم يكشف مخططاتها باستثناء الملك عبدالله الثاني الذي امتلك ما يكفي من الشجاعة وتحدث منذ العام 2004 عن «الهلال الشيعي» بالمعنى السياسي للكلمة وليس بالمعنى المذهبي نظراً إلى أن الهاشميين من أهل البيت وأنهم أحرص العرب والمسلمين على تفادي أي شرخ طائفي أو مذهبي من اي نوع كان في المنطقة. المؤسف أنه لم يكن هناك من يريد أن يستمع إلى مدى خطورة ما يحدث على الصعيد الإقليمي أو أن يدرك ذلك. بدا وكأن العاهل الاردني كان وقتذاك في واد، فيما العرب الآخرون في واد آخر لا علاقة له من قريب أو بعيد بما يدور فعلاً في الشرق الأوسط.
جاء التدخل العربي في البحرين ليضع حداً للطموحات الإيرانية في المنطقة العربية وليجبر طهران على إعادة النظر في حساباتها، أقلّه ظاهراً. كان مفترضاً أن يحصل ذلك باكراً. كان مفترضاً أن يستفيق العرب، على رأسهم أهل الخليج لخطورة ما تفعله إيران في لبنان. في النهاية، تظل بيروت خطّ الدفاع الأوّل عن العرب وعن كل مدينة عربية على وجه التحديد بعيداً عن كل نوع من الطائفية والمذهبية. لو أحسن الخليجيون التعاطي مع الخطر الإيراني على لبنان والذي كان يحظى بدعم مكشوف من النظام السوري، لكانوا دقّوا ناقوس الخطر باكراً ولما كان عليهم انتظار وصول هذا الخطر إلى البحرين للقول بالفم الملآن أن كفى تعني كفى.
لا شك ان هناك مشاكل خاصة بالبحرين وأن لا مفرّ من إصلاحات معينة في العمق تأخذ في الاعتبار الحاجة إلى قيادة شابة تعمل تحت رعاية الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة بديلة من طاقم أكل عليه الدهر وشرب. هذه الإصلاحات يمكن أن تقطع الطريق على التدخل الإيراني الوقح الذي يستغل الغرائز المذهبية ويعمل على تغذيتها في كل المنطقة العربية. نعم، كان لا بدّ من الخطوة الخليجية في البحرين. لكن هذه الخطوة لا تغني عن معاودة التركيز على لبنان ودعمه ورفض القبول بالأمر الواقع الذي تحاول إيران فرضه في الوطن الصغير بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الاستيلاء على أراضي المسيحيين والدروز في هذه المنطقة أو تلك بهدف توسيع رقعة نفوذها في الوطن الصغير وفرض إرادتها على طوائفه…
نجحت دول الخليج العربية في التصدي لإيران. هذا النجاح ليس كافياً في غياب سياسة متكاملة يعتبر لبنان جزءا منها كما يعتبر التصدي للمحور الإيراني- السوري في أساسها. في غياب مثل هذه السياسة المتكاملة لن يكون التراجع الإيراني في البحرين سوى ذر للرماد في العيون في انتظار اليوم الذي تستعيد فيه طهران المبادرة في غير مكان وفي غير اتجاه في هذه الدولة العربية أو تلك.