سبر القوافي

هل سمعت عن مدينة السعادة؟

دائمًا ما يتردد ذلك الدعاء على مسامعي كثيرًا ولعلّه أصبح عادة ولازم الكثير مِن الألسن عند بعض الناس , هو لا يقع ساكنًا بل يُضيف إلى مؤشر الراحة الداخلية النفسية الكثير ومِن واقع الحقيقة ذلك الدعاء وقود وقد يكون في غالب الأحيان دلالة إلى تغيّر ما بداخل الصدر مِن كآبة وبعضًا مِن الحزن كأي إنسان يداعب حزنه ذات مساء دون حُب , أتشوق لسماعها كثيرًا مِن أمي وأبي , أفكر دبر كل قرآن الفجر بحنين يدفعني بقوة شتاء قارس إلى تقبيل جبين أمي وأبي لأنال نصيبي من دعاء الوالدين وأسعد في دنيا وآخرة وهم أكثر الناس أحب أن أسمع مِنهم دعوة ” الله يسعدك ” رحمهم الله في دار الحصاد قبل دار الجني , أمي وأبي أفضلهم كثيرًا على سائر البشر لأن ليس بين دعاؤهم والله حجاب أو حاجز منيع , لدي مُجرد أسئلة أود أن أطرحها لك أيها القارئ الكريم , هل أنت سعيد كُليًا ؟ ليس بإمكانك أن تكون كذلك لأننا خُلقنا في كبد ولن تكون أبدًا سعيدًا 100% أو بائسًا 100% بذات الدرجة المذكورة سلفًا دون إحداث تغيير لها ولك فك الشفرة أن لا أحد يمكنه أن يكون كاملاً منزّه عن النقص والدليل القاطع ليس كمثله شئ , صفتان تُميز الله عن خلقه التفرد والكمال المُطلق وغيرها موجود أيضًا , مِن اللامعقول أن تكون كامل السعادة وإذا بحثت عن الكمالية ستُرهق نفسك دون نتيجة ولن تصل إلى نقطة السعادة , سؤال آخر : هل السعادة تدوم ؟ لا شئ يدوم على وتيرة مُعينة أو يسير في مسار واحد فقط , من المؤكد سيحدث ثمة عدة تقلبات للحالة المزاجية والنفسية وتحولات ومثل ما تناقله الواعظين في المجالس والمساجد وغيرها قولهم : يومًا لك ويومًا عليك أو بالأصح يومًا سعيدًا ويومًا حزينًا , هكذا هي سُنة الحياة وعليك حتى تُحافظ على ما تملكه من إمكانات هو التكيف مع الظروف الجالبة للحزن والضيق ومن الجميل حقًا إسعاد النفس في محاولات وستنتصر على اليأس , سؤال أيضًا : هل الغني سعيد ؟ ليس كل الأغنياء سُعداء ويملئ قلوبهم الفرح ولا شئ قبيح ورد عنهم , كما لا أجهله يعتمدون في أمور لا تعني شيئًا على الفقراء ويفعلونها أكثر لكي يسعدوا أنفسهم في دُنيا لا تستحق حتى الإبتسامة ولو أنها صدقة ونؤجر عليها ولها فوائد جمة صحية ونفسية مُساعدة لما أصبح لها قيمة معنوية وقد يحولها المُتلقي مادية هذا لأن ثمة إذا كان يعاني من خلل أجهله حقيقة يعيش في داخل رأسه , سمعت أحاديث كثيرة ومنها فقراء الدنيا يدخلون الجنة قبل الأغنياء ومِن دون حساب لأن ليس لديه ما ينفقه أو يملكه كي يحاسب عليه وما أجمل أن تعيش فقيرًا ليوم معلوم ثم بعد ذلك تعيش سعيدًا مدى حياتك في نعيم مُقيم لا تظمأ بعده أبدًا , الغني الذي يسكن القصور ويأكل ويشرب على طاولته المستديرة مما ما لذ وطاب بمختلف الألوان والأشكال ويركب أغلى وأفخم وسائل النقل من سيارات وطائرات ويستعمل أحدث التقنيات والأجهزة لا يمكنه أن يحقق ربع من السعادة الحقيقة أو يشتريها بكل ما ورد سابقًا , لقد كتبوا الفلاسفة الغربيين عن السعادة ولا أقتنع بِكل ما كتبوه لا بد أن يكون نصًا قد عُرض مِن فكرة لا أتقبلها بصدر رحب ومحب بمعنى آخر ومن رأيي غير حقيقة ولا نقاسمها العيش على البسيطة ومعدومة الوجود لا تصدق كل كلام يُلقى , مَن يكتب وفق ظنّه وما ينتج مِن الظن في باطل الكثير , كذلك الكتاب شرعوا أقلامهم فكتبوا سطورًا عن – وليس من – السعادة ومنهم من صحّ قلمه والشق الآخر مَن لا يصحّ في نظري , البعض يكتب ويكتب عن السعادة من حيث لا يدري عن السعادة بعينها الغير مزورة , السعادة يجهلها الكثير أقولها مِن دون الاستعانة بإحصائية , السعادة أيها اللاعب ليس أن تسجل هدفًا أو ينال فريقك الكأس , السعادة أيها البائع لا تتحقق بضحكك على عقول صغيرة تُصدق كل ما قيل وقال يملكها زبائنك الكرام فتبيع بضائع بأسعار نارية وتدخلهم في سوق سوداء , أيها الأب الخائن السعادة ليس أن تسرق مهر ابنتك حتى ولو , إلى من يجمع المال ليسعد بكثرته يقول الشافعي لكم :

ولست أرى السعادة جمع مالٍ … ولـــكن التـــــقي هو السعـــــيد

أيها الطالب يا كاتم النفاق في جوفك السعادة ليس أن تغش بالامتحان وتظهر بوجه ضحوك يوم تسليم الشهادات فتصبح متفوق على مظلومين تتلقفهم الحسرة والهمّ يعلوهم لكنها شرف وهذا مِن جهد لا من غش حتمًا ستكون سعادتك مؤقتة إذا تريد الصدق , أيها الكسلان السعادة لا تعرف طعم النوم أو تذوقه طويلاً ولا تحبذ شمّ رائحته , الموت رفيق الكسل وصديقه الحميم ولا سعادة مع التقاعس , أيها المسؤول المتغطرس السعادة لا تطرق باب فؤادك بعد هذا تظلم الناس وتأخذ حقوقهم وعلى طاولة مكتبك الفخم أوراق متراكمة على شكل عمود أو برج طويل أقرب ردة فعل إليه هو تعبير الخوف . السعادة ليس أن تطلب المزيد ولديك ما يكفي حاجتك , الكثير والغريب يجيد التعريف ولا يجيد التطبيق , دون مُجاملة نستطيع أن نُعرف السعادة ولا نشعر بها صدقًا أي على وجهها الحقيقي , التصنع لا يفيد بل يضر وقريبًا سيكشف ساق الفضائح إذا ما تمت التوبة منها , كونوا على طبيعتكم ولا تبحثوا عن السعادة , هي من تبحث عنكم وتأتيكم , منكم – غفر الله له – يرتكب على جهالة أخطاء جسيمة , ومِن الظن ما كثر وفي الأخير خاب وعلى عكس التوقعات سار , بينما هم جلوس حدثهم رفيق فاسد صحيفته البيضاء تحوّلت إلى سوداء مِن كثر الوقوع في الذنوب والمعاصي وما لا يعقل فلا يصدقه المنطق ويرفضه بشدة دون تردد العقل , يقول لأصدقائه الذين على غفلة : السعادة يا أصدقائي هي المتعة واللذة وهذا أعتبره أنا كلام تافه وغبي – مع الإحترام المشاعر القراء – لأن المتعة الدنيوية بأنواعها  ستفارقك فور الإنتهاء منها سيولى فرارًا ذلك الإحساس والشعور , النظر إلى الجسد العاري هو متعة – متفق عليها – ولكن بعدها سيجلد نفسه بسياط الندم وتذهب تلك السعادة التي لا أعتبرها سعادة حتى , تجده أيضًا يتكئ على رصيف الحسرة ويندب كل ما مضى وسجل لا يحفل كله سواد – غفر الله له – أتحدث هُنا عن ضمير غائب كمثال توضيح ولكم العبرة والعظة فأعتبروا أن السعادة ليس بفعل نقيض ما أحله الله من الطيبات , السعادة هي التزلف إلى الله وتقوية الصلة والعلاقة برب العالمين وعدم التخاذل في حقه والتقصير في طاعته , آخرًا هل سمعت عن مدينة السعادة ؟ طقسها من الصعب وصفه مِن شدة جماله وسعادته ! , سُكانها راضون بما كتب الله لهم ولا يقبلون في الإسداء إلى الطيب من القول والعمل , يُميزهم التواضع فلا يقتربون مِن الكبر , يذكرون الله كثيرًا قيامًا وقعودًا وعلى مواضع عدة , يشربون ويتجرعون مِن المصائب والنكبات برضى , قلوبهم صافية نقية مِن الشوائب والسواد , يصومون مع رمضان أيام مثل يومي الخميس والاثنين , رضي الله عنهم ورضوا عنه , أما عن الموقع الجغرافي لكي أكون معك صادق ليس بمقدوري تحديده جيدًا ولكن السعداء يدلون طريقها وعلى تمام المعرفة بها بكل بساطة لأنهم مِن سُكان المدينة الخيالية إن صح التعبير , وعن المساحة لم يفيدني ” سعيد ” بكم تقدر ؟ ولكن سأتصل به لعله يُخبرني لأخبركم , وأخيرًا ما جئت هُنا لكي ألقي بهذه السطور وما كتبتها إلا مِن أجل محاولة تبيين ملامح السعادة المطموسة نوعًا ما والغامضة لدى البعض ولمن يريد أن يسكن مدينة السعادة حياكم الله , لا شروط سوى أن تتحلى بكل صفة حسنة ذكرتها هُنا أو غفلت عنها  , الله يسعدكم يا أحباب فيصل .

فيصل خلف
@FaisalBinkhalaf