أقلامهم

جاسم بودي: مع كل الاحترام للذين يتحدثون عن تعديل الدستور والتقدير والتفهم لظروفهم الخاصة وظروف البلد العامة إلا أن الدستور يجب ألا يمس

انفصام الشخصية في التعديلات الدستورية


جاسم بودي


قبل سنوات، كنا من أوائل الداعين إلى لحظة وطنية عامة جامعة تبحث في تعديل الدستور بما يحقق المزيد من الحريات والديموقراطية ويطور النظام السياسي.
وتعرضنا، كما تعرض غيرنا، لحملات وانتقادات رغم ان كل ما فعلناه هو الالتزام بالدستور ونصه ومضمونه ومذكرته التفسيرية، لأن التعديل الخارج من عباءة الدستور هو الامتداد الصحيح لمسيرة التحديث.
بعد ذلك بسنوات تغيرت المقاربة السياسية لموضوع التعديلات الدستورية. صار الزج بالدستور في كل كبيرة وصغيرة نوعا من الخطاب السياسي الارتجالي غير المسؤول، وأصبح تصيد كلمة لمسؤول في مجلس خاص أو عام عن الممارسات الحكومية والنيابية هدفا للتهجم والتجريح وتجريد المتحدث من وطنيته وانتمائه. فإن خرج انتقاد لسلوك نائب فهو انتقاد للدستور وإن دعي إلى اجتماع فهو اجتماع ضد الدستور وإن أطلق اقتراح فهو اقتراح معادٍ للدستور وإن وقّعت عرائض فهي انتهاك للدستور… حتى أصبح مجرد التفكير في الدستور نوعا من الإثم يحيل صاحبه مباشرة إلى محكمة الضمير.
اليوم تغيّرت الأمور، وما كان ينتقده البعض صار مذهبا لهم. الاجتماعات تعقد في أي مكان خارج مجلس الأمة وهي للدفاع عن الدستور، والدعوات إلى حل مجلس الأمة صارت تأتي من بعض نواب الأمة «إنما دفاعا عن الدستور»، والمطالبة بانتخابات مبكرة تتم تحت قبة عبد الله السالم «دفاعا عن الدستور»، والعرائض توقع «دفاعا عن الدستور»، والتطرف في المطالبة برئيس وزراء شعبي تأتي من أحد شيوخ الأسرة لا من نائب أو مسؤول في تيار سياسي… وأخيرا لا آخر تخرج دفعات من الاقتراحات بتعديل الدستور من بعض نواب كتلة «إلا الدستور».
انفصام الشخصية الذي تعيشه الحياة السياسية الكويتية لا مثيل له في كل دول العالم، ففي الوقت الذي تعصف السياسة بكل المؤسسات تحت عنوان عدم المس بالدستور وحماية مكتسباته نسمع أصواتا تخرج من عباءة هذا العصف حافلة بكل الاقتراحات التعديلية… وكأن الدستور أيضا صار مادة انتخابية مشابهة لمادة إسقاط القروض او كأن الكويتيين صنفان، واحد لا يحق له الحديث عن الدستور أو حتى عن أحرفه الأولى ولو أبدى كل النيات الحسنة وآخر يحق له الحديث عن تعديلات جوهرية.
ومع كل الاحترام للذين يتحدثون اليوم عن تعديل الدستور ومع كل التقدير والتفهم لظروفهم الخاصة وظروف البلد العامة إلا أن الدستور في هذه المرحلة، وتحديدا في هذه المرحلة، يجب ألا يمس، والسبب أن الكويت تمر عمليا في منطقة مطبات سياسية قد تعرض استقرارها إلى هزات لا يمكن تجاوزها بهذا الكم الكبير من الانقسام الموجود على مختلف الصعد.
التعديلات الدستورية هدفها المصلحة العامة لكن الإجماع الوطني شرطها الاساسي، واذا كانت النخب السياسية الكويتية اليوم على هذا المستوى من التشتت واذا كانت السلطات على هذا المستوى من التنازع واذا كانت التيارات الشعبية والجماعات الأهلية على هذا المستوى من التصادم فأين الاستقرار المطلوب لخطوة مفصلية وتاريخية مثل خطوة تعديل الدستور؟
نحترم ونقدر كل الأصوات التي «انهمرت» فجأة مطالبة بتعديل المادة الثانية وتلك المطالبة بوجوب حصول رئيس الوزراء على ثقة المجلس قبل بدء مهماته الدستورية او التي تشترط عدم تصويت الحكومة، وغيرها وغيرها، لكن ما كنا نطالب به وما تطالب به غالبية الكويتيين لا يتعلق بظرف سياسي محدد وهدف سياسي مرسوم وتوقيت سياسي مدروس. هو عملية تطوير كاملة للنظام وفق آليات حديثة تكفل الانتقال المحسوب والمسؤول إلى الإمارة الدستورية، وحتى يتحقق ذلك الهدف لا بد من مسيرة سياسية مختلفة تبلور تيارات وطنية جامعة تتجاوز الاعتبارات الطائفية والمناطقية والقبلية، وهذا الأمر يحتاج إلى نظام انتخابي مختلف تماما عن النظام الموجود حاليا والى تشريعات تنظم موضوع الأحزاب من منظور المصلحة الكويتية العامة.
مرة أخرى، نحن مع التعديل والتطوير والتحديث وضد الارتجال وتسجيل النقاط والهبوط بالدستور إلى مستوى الحملات الانتخابية. ويبدو أن ما يحصل اليوم من انقسامات وفوضى وتشتت وتصادم مستمر… هدفه ضرب الدستور وتأخير الانتقال الى الامارة الدستورية.


 

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.