أقلامهم

محمد المقاطع يتحدث عن التجنيس العشوائي وآثاره السلبية على المجتمع منذ حقبة الخمسينات

فوضى التجنيس… ومسلسل متجدد
محمد عبدالمحسن المقاطع  


مرّت الكويت في فترة الستينات وتلتها حقبة السبعينات من القرن الماضي، بحالة من التخبط والعشوائية في شأن التجنيس، فصار هناك تجنيس سياسي وهناك تجنيس لكسب الولاء وهناك تجنيس يثير الشبهات والتساؤلات، والنتيجة العامة لتلك الحقبة من فوضى التجنيس، أنها أدّت إلى إدخال طبقة جديدة من المواطنين، منهم من هو مستحق وكثير منهم غير مستحق، وذلك بهدف التأثير في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في عام 1967وما بعدها، وعلى الرغم من أن قانون الجنسية الكويتي قد وُضع في حقبة التشريعات الناضجة والعقلانية، وهي فترة ما قبل الاستقلال بعشر سنوات وإلى أوائل السبعينات، وعلى الرغم من أن قانون الجنسية قد أخذ بأسس موضوعية ومعايير سليمة ووطنية، ومنطلقات وأسس قانونية، ووضع العديد من الخطوات والمتطلبات الإجرائية الصحيحة، لكن ذلك لم يتم الالتزام به ولم يُطبّق، وهو ما أدى إلى أن لحق عملية التجنيس عبث وعشوائية وفوضى، لم يكن القانون ولا متطلباته محل احترام أو تطبيق، ولا شك في أن آثار التجنيس العشوائي من الموضوعات التي خضعت إلى العديد من الدراسات والأبحاث، وأكّدت نتائجها على كمّ من الانعكاسات السلبية التي أفرزتها على البلد سياسيا واجتماعيا بل وحتى أمنيا، وكانت بداية حركة التجنيس لحقبة الستينات والسبعينات هي معالجة أوضاع ما يقارب من 7 آلاف شخص، تمّ تعليق وتأخير تجنيسهم للتثبت والتأكد من أنهم من أهل الكويت وفقا للمفهوم الذي جاء به قانون الجنسية، فصار وضعهم خلال فترة تعليق أوضاعهم «غير محددي الجنسية»، وقد استغل هذا الباب وبكل أسف إلى أن وصلت عمليات التجنيس في فترة الستينات والسبعينات إلى ما يقارب سبعين ألف حالة تجنيس، أي عشرة أضعاف الفئات والأشخاص المستحقة لذلك، والتي هي سبعة آلاف شخص.
وقد بدأت كرة غير محددي الجنسية تكبر مع مرور الزمن، تماما كما يتزايد حجم كرة الثلج وهي تتدحرج من قمة الجبل إلى قاعه، وعلى الرغم من أن مسلسل التجنيس لم يتوقف، فدخل عشرات الآلاف من المتجنسين منذ ذلك التاريخ كل خمس سنوات ضمن الجنسية الكويتية، فإن عدد من يدعون أنهم من فئة غير محددي الجنسية بلغ في عام 1992 ما يقارب 190 ألفا، وبعد أن اتخذت الحكومة الكويتية قرارا مهما بالتثبت الدقيق من هوياتهم، نقص عددهم إلى ما يقارب 116 ألفا، واليوم قرأنا في الصحف ان لجنة معالجة أوضاع غير محددي الجنسية انتهت إلى وجود ما يقارب 30 ألف مستحق، أي فقط ربع المطالبين بالجنسية من غير المحددين، وإذا كان ليس لدينا اعتراض من حيث المبدأ على التجنيس إذا خضع للتدقيق والضوابط والإجراءات، لكن بالتأكيد فإن الاعتراض يكون موجودا إذا كانت العشوائية والمزاجية هما المدخلان إلى التجنيس، وهو ما نشعر بأنه سائد وبكل أسف حتى اليوم، وقد عرفت من بعض المصادر أن الـ 30 ألفا فيهم أعداد أُدرجت بسبب ضغوطات وتدخلات متفاوتة، وهو أمر يثير القلق على هذا الملف الحساس، وأتمنى أن يكون المعيار هو الاستحقاق بصورة حقيقية وليس التفريط بمصلحة الوطن، وأن يتم طيّ ملف «البدون» بلا رجعة، لأن منح المزايا وتعليق الموضوع سيعودان بالمشكلة إلى حالتها الراهنة.
اللهم إني بلّغت،،