إقبال الأحمد
انا هازاري
بلباسه الابيض وبسمته البسيطة افترش العجوز الهندي انا هازاري (74 عاما) ارض حديقة عامة، معلنا اضرابا مفتوحا عن الطعام حتى الموت الى ان يتم تحقيق مطلبه بإجراء تعديل جذري لقوانين محاربة الفساد في الهند… فيما احتشدت الجموع الغفيرة تدعمه.
واحد من مليار و155 مليونا و347 الفا و700 هندي قرر محاربة الفساد، او لنقل ان يبدأ طريق محاربة الفساد… بطريقته السلمية الخاصة… كيف لا؟ وقد سبقه غاندي عندما اضرب عن الطعام حتى نالت شبه القارة الهندية الاستقلال.. فكان رمزا ليس للهند وحدها بل للعالم كله.
الهند صاحبة اكبر ثالث اقتصاد في العالم تعاني تغلغل ثقافة الفساد فيها… كغيرها من دول العالم… والكويت احداها.. وفي خضم تعدد المصالح وتضاربها وغياب الامانة وروح المسؤولية.. وطغيان الجشع واستغلال السلطة… تطفو على الساحة بين وقت وآخر محاولات واصوات لمحاربة الفساد والتنويه اليه.. الا ان اغلبها، ان لم يكن كلها، تبوء بالفشل اذا لم تدعمها الحكومة ولم تسندها… ليس باصدار القوانين فقط، ولكن بتنفيذها وبحزم ومن دون تردد… على الكبير قبل الصغير.
الفساد في البلدية الذي لا تستطيع حمله البعارين كما قال سمو امير البلاد… اضعافه موجودة في «التجارة» واضعافه موجودة في «الشؤون» واضعاف اضعافه موجودة في كل وزارة خدمات… حين يذل الفساد المراجع الملتزم بالقانون ويضعه بين فكي كماشة… إما الدفع او الاهداء او تسيير خدمات… واما ركن أوراقه ونسيانها الى ان يتولاها الله.
الفساد نار جمر لا نراه على السطح بل يغطيه رماد السكوت وما يمرر تحت الطاولات من اموال وهدايا وخدمات… نار تأكل القانون ومن يتبع القانون… تلسع الملتزم صاحب المبادئ فقط.
هذه النار تحتاج الى ماء انا هازاري ليطفئها… وما احوجنا في الكويت الى امثال هذا المواطن الهندي البسيط… فمطلقو شعارات مكافحة الفساد كثر… لكن الفرق بينهم وبين هازاري انه مستعد للموت جوعا من اجل ذلك… وهم مستعدون للموت فجعا من اجل حفنة مال او تمرير خدمات.
للاسف احنا بالكويت مو فالحين الا بالاستهزاء بالشعوب الاخرى «.. اقصاه قطعة هندي…» في حين اننا في حقيقة الامر نتعلم منهم القيم والمبادئ التي فارقت كثيرا منا للاسف.
شرايك استاذ صلاح الغزالي رئيس جمعية الشفافية التي تحمل لواء مكافحة الفساد ان تكون هازاري الكويت… ليتحول القول الى الفعل… فرحلة الالف ميل تبدأ بأول خطوة .. لاجبار الحكومة على تطبيق قوانين الفساد وليس اصدارها… فهي تملأ الارفف والمكاتب ومعلقة على كل باب وامام كل مسؤول.
أضف تعليق