أقلامهم

لمى العثمان: مفارقة فاقعة أن تأتي فضيحة حسابات النواب المليونية في خضم تحرك الحكومة السريع لإنقاذ الاقتصاد الوطني، الذي شُكّلت له لجنة استشارية

الفضيحة المليوينة… ودولة الرفاه


لمى فريد العثمان


مفارقة فاقعة أن تأتي فضيحة حسابات النواب المليونية في خضم تحرك الحكومة السريع لإنقاذ الاقتصاد الوطني، الذي شُكّلت له لجنة استشارية دعت إلى أهمية «حسم وقف سيل الهدر في الميزانية العامة ومواجهة أي مشروع نيابي جديد للعطايا والهبات المجانية»! اقترحت اللجنة أولويات إصلاحية «تأخذ في عين الاعتبار عدم إلغاء دولة الرفاه، بل ترشيدها لتكون على الطريقة الاسكندنافية»… ما ان تقرأ هذا التصريح حتى يتبادر إلى ذهنك الفرق الفاحش بين دولتنا الريعية والدول الاسكندنافية، فالمسألة أكثر من مجرد ترشيد أو اتخاذ إجراءات بل تأسيس بنيوي لنهج جديد وإصلاحات شاملة في البنية السياسية والاقتصادية والثقافية.
تصنف الدول الاسكندنافية كدول الرفاهية، وهي الأكثر عدالة ضمن أنظمة الحماية الاجتماعية الأوروبية، وتعتبر اليوم نموذجاً ناجحاً تحاول الدول الأخرى الاقتداء به، لاسيما بعد الأزمة المالية الأخيرة وسقوط نموذج الرأسمالية غير المقيدة. وقد نجحت الدول الاسكندنافية عبر نموذج الديمقراطية الاجتماعية أو الليبرالية الاجتماعية (وهو الطريق الوسط بين الرأسمالية والاشتراكية) في تجنب ما وقعت فيه دول الرأسمالية المتوحشة من تفاوت فاحش بين الطبقات الاجتماعية، بل قللت منه وحققت مستوى عالياً من العدالة الاجتماعية بحيث يتمتع جميع مواطنيها بالخدمات والضمانات الاجتماعية التي تمولها الضرائب التي يدفعها المواطن، لتعود جدواها إليه ولعائلته في خدمات تعليمية وصحية عالية الجودة. كما ترتبط العدالة الاجتماعية بالحقوق المدنية والسياسية للذين أعطوا للمواطنة «معناها الشامل والوظيفي… فهي نوع من المساواة الإنسانية تقترن بمبدأ العضوية الكاملة في المجتمع التي تنطوي على حقوق وواجبات» حسب ما يذكر د. هادي حسن في دراسته «النموذج الاجتماعي الديمقراطي». فاقتصاد الرفاهية، كما يقول د. حسن، عمل على توليف القيم الأخلاقية مع قوانين الكفاءة الاقتصادية… فسمحت بالمنافسة ومنعت الاحتكار، وطبقت مبادئ تكافؤ الفرص وحكم القانون والحكم الصالح والمحاسبة والشفافية، فواصلت الدول الاسكندنافية احتفاظها بالمراتب الأولى عالمياً كالأقل فساداً.
وحين نقارنها بنظامنا فسنجد فوارق هائلة، أهمها يكمن في طبيعة نظامنا الريعي وصديقه الفساد، فهما صنوان لا يفترقان. فبينما تعتمد الدول الاسكندنافية على الضرائب في تمويل رعايتها الاجتماعية المبنية على أساس حقوق وواجبات المواطنة، كرست الدولة الريعية القيم البدائية للراعي والرعية، ورسّخت الثقافة الرعوية للهبات والعطايا والمكرمات غير المرتبطة بالإنتاجية، التي أنتجت بدورها سلوكيات الاستهلاك والهدر والاتكالية وانحدار أخلاقيات العمل وتردي الخدمات بالرغم من زيادات وكوادر القطاع الحكومي.
وعلى الرغم من تصريحات لجنة إنقاذ الاقتصاد الوطني فإن هناك أزمة ثقة من أن يكون «التنفيذ معاكساً» على حد وصف الخبير الاقتصادي جاسم السعدون في ما يتعلق بخطة التنمية، الذي قال إن «القطار يسير في اتجاه معاكس لاتجاه خطة التنمية… منذ أن أُقرت خطة التنمية حتى الآن فإن فجوة الاعتماد المتزايد على الحكومة زادت في صناعة الاقتصاد، والمالية العامة أصبحت أكثر اعتماداً على النفط، وموظفو الحكومة أصبحوا أقل عملاً وأكثر رواتب، وبالتالي الاعتماد على الحكومة بالتوظيف أصبح أعلى مما كان، بل على العكس من ذلك فإنه ربما تحدث هجرة عكسية من القطاع الخاص إلى القطاع العام».
إن إنقاذ اقتصادنا الوطني يتطلب إصلاحاً بنيوياً شاملاً يشمل نظامنا الديمقراطي، الذي لا يشبه أي نظام ديمقراطي في العالم، فالحكومات التي لا تتشكل من أغلبية نيابية لا تجد وسيلة لكسب الأغلبية إلا بشراء الولاءات والصفقات السياسية، لقد عملت الحكومة على مأسسة الفساد عبر هذا النظام الريعي، الذي أعاق التنمية وشوّه الممارسة الديمقراطية البعيدة كل البعد عن الديمقراطية الاجتماعية للدول الاسكندنافية.