أقلامهم

محمد الدوسري يطالب بالتركيز على الراشي في قضية الإيداعات المليونية كونه أكثر خطرا من المرتشي

الراشي أكثر خطرا من المرتشي  
 
محمد مساعد الدوسري
 
أزمة ثقة هي عنوان ما نتج عن تسريبات أرصدة النائبين المقدرة بـ25 مليون دينار، ثقة تتآكل تدريجيا وأصبحت في الحضيض إن لم تكن مفقودة أصلا في هذا المجلس الذي أفسدته شخصيات معروفة في الحكومة وخارجها، وما هذه الفضيحة إلا جزء من مسلسل الفساد الذي استشرى أفقيا وعموديا في البلاد خلال السنوات الست الأخيرة، لدرجة أن أي مشروع جديد أصبح مشروع أزمة أو مشروع رشى مسبقا، بعد أن تكاثرت الفضائح وتزايدت لتشغل بال المواطن الباحث عن رجال يعيدون الثقة.
أولى إشارات الفساد الذي أصاب الجميع في مقتل، اننا اهتممنا بالمرتشي وتناسينا الراشي، علما أن دور الراشي أكثر خطورة في هذه الفضيحة، بل لا أكشف سرا إن أشرت إلى أن الراشي في هذه القضية وغيرها هو هو، لم يتغير وهو من أفسد المجتمع وسحب الشعب معه إلى أخلاق لم يتعود عليها، وهي أخلاق العالم السفلي الذي جاء منه، هذا العالم المشبوه القائم على الرشى والسرقة والنصب والاحتيال وتبييض الأموال واستخدام كل المحرمات للوصول إلى الهدف المنشود، وعلى ذلك فإن اهتمامنا بالراشي هو المفترض في هذه الحالة وغيرها، لأن من رشى النواب الحاليين إن صحت الأخبار سيقوم برشوة غيرهم في كل مرة.
ثاني إشارة للفساد هو سكوتنا وتجاهلنا للقضايا الخطيرة مثل هذه في كل مرة، إذ إن الكثير من الوزراء والنواب ومسؤولي الدولة قد أفلتوا من العقاب في قضايا عديدة، بل أن الكثير منهم يمارس دور المعلم والمنظر عن الإصلاح والورع والتقوى حتى هذا اليوم، ويتصدر بعضهم المشهد السياسي وتتم الاستعانة به في العديد من لجان الدولة ومؤسساتها ويعملون كمستشارين لقيادات كبيرة في البلاد، وهذا ما يدفعنا للقول بأن احتضان الدولة والسكوت عن هؤلاء هو ما عزز من تفشي الفساد وتحوله إلى ظاهرة بعدما كان مجرد أمر شاذ يمكن السيطرة عليه.
يجب أن نعي بأننا في دولة لم يتم فيها إدانة وزير بجرائم مهما اختلف نوعها منذ بدء العمل بالدستور حتى الآن، وهذا ما يجعلنا أمام أمرين لا ثالث لهما، فإما أننا مجتمع من الملائكة، وهذا مستحيل طبعا، أو أن الدولة تحمي وتدافع عن سراق المال العام ودافعي الرشى والمختلسين واللصوص، وهذا هو الأقرب إلى الصحة، فهل يعقل أن كل وزرائنا ونوابنا لا يخطئون، فإذا كانت الخطيئة أمرا بشريا، فهل وزرائنا ونوابنا ليسوا من جنس البشر؟، هو سؤال بسيط والكل يعرف إجابته ويعرف أننا أمام دولة تقوم في أحسن الأحوال بالطلب من الوزير الاستقالة في حال ثبوت إدانته بالسرقة أو ما شابه.
ثالث إشارات الفساد التي يكشفها تسرب خبر الملايين المكتشفة في أرصدة النواب، هو أننا أمام تدمير منظم لإرادة الأمة، وهذا ما حذر منه العديد خلال السنوات الأخيرة، ويبدأ العمل بالمال السياسي في مرحلة سابقة لعضوية المجلس وذلك خلال العملية الانتخابية وشراء ذمم الناس لضمان أصواتهم لنواب أكثر طواعية لهذه الجهة أو تلك، وأي نظام يصمت عن شراء إرادة شعبه يجب أن يضع بالاعتبار سهولة اختراق هذا الشعب بعد فترة بسيطة من جهات خارجية ستدفع أكثر، وهذا ما يجعلنا نتآسى على ما آلت إليه الأوضاع في الكويت، فهل بات الكرسي والمنصب أهم من الأخلاق ونظافة اليد بل وحتى أهم من الأمن الوطني للبلاد؟.
كثيرة هي إشارات الفساد الذي يكشفها خبر هذه الملايين المشبوهة، بل أن إشارة بعض النواب إلى احتمال تورط النواب بعمليات غسيل أموال يدفع للمزيد من الإثارة في هذه القضية، لأنها بذلك سوف تكشف عن رؤوس فساد لطالما حذر منها أبناء الشعب، كما أن هذه القضية مرشحة لتأليب الرأي العام المعبأ أصلا ضد الحكومة الحالية، وهذا ما يجعل الشعب يفتقد الثقة بشكل كامل بها، حتى وصل الأمر إلى انعدام الثقة مسبقا بأي هيئة لمكافحة الفساد يتم تشكيلها من قبل هذه الحكومة، علما أن الحكومة بكامل أعضائها يجب أن تجد من يكافح فسادها كما هو في كل دولة في العالم، ولا يمكن أن تكون الحكم والخصم في آن واحد، فإذا ما اضفنا لذلك انعدام الثقة أصلا بهذه الحكومة، فسنجد أنفسنا أمام هيئة لن يستفيد منها إلا من سيتم تعيينه رئيسا لها فقط ليستفيد من المنافع المادية التي توفرها الهيئة له.