أقلامهم

جاسم بودي: هل سيحترم ربيع العرب حقوق الإنسان والأقليات أكثر من خريف العرب؟

الثورة.. والفورة!


جاسم بودي


أخبرني ناشطون سياسيون عرب أصدقاء أنهم كلما التقوا مسؤولا أجنبيا كان يبادرهم إلى السؤال: «هل سيحترم ربيع العرب حقوق الإنسان والأقليات أكثر من خريف العرب؟»، وعندما كان هؤلاء يبادرون إلى الإجابة بأن هذه الحقوق ستكون محفوظة يفاجأون بالأسئلة التفصيلية الأخرى التي تنهمر عليهم: «هل يمكن لمسيحي كفؤ أن يكون رئيسا للوزراء أو أكثر؟ هل يمكن للأكراد أن يتجنسوا وأن تكون لهم مكانة سياسية أفضل؟ هل يستطيع أبناء الطوائف الأخرى غير الاسلامية أداء شعائرهم الدينية علنا؟»… وصولا حتى إلى السؤال: «هل يجب أن تفرضوا عدم الإجهار بالصيام على غير المسلمين في رمضان؟».
أسئلة كثيرة لا تعكس وجهة نظر سائليها بقدر ما تعكس وجهة نظر الرأي العام الغربي عن المنطقة العربية والتمنيات بأن يحمل التغيير السياسي تغييرا جوهريا على مستوى الحريات العامة. وعلى رغم أن بعض دول الغرب أعطتنا مثالا في التجاوز على هذه الحريات من خلال سنها قوانين تتعلق بالزي الشخصي للمسلمين إلا أن هذه الاسئلة تبقى مشروعة لأن ما يهمنا بالدرجة الأولى هو صورتنا أكثر من مقارعة الآخرين في خطأ ارتكبوه.
دعونا نسأل أنفسنا: هل كنا إنسانيين في تفكيرنا القومي؟ هل كنا حضاريين في عروبتنا؟ هل كنا منفتحين في انتماءاتنا العقائدية؟ وهل كنا عصريين في تطلعاتنا وأهدافنا وطموحاتنا؟
صحيح أن ظلم الآخرين لنا وزلزال 1948 والصراعات المدمرة والانحياز الأعمى للغرب كلها عوامل ساعدت في فرز نخب سياسية واجتماعية معينة وبالتالي أدت إلى الانغلاق على مختلف المستويات بحجة أن «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، لكن الأصح أيضا أننا كعرب فشلنا في تشكيل مجتمع مدني فاعل في محيطه وقادر على التغيير.
لم يعط الكثير من الأنظمة والمجتمعات العربية مواضيع الحريات وحقوق الإنسان والديموقراطية أي أهمية تذكر. مارسوا الكذب والنفاق والخديعة في موضوع الأقليات والأكثريات. ادعوا العلمنة تارة لكنهم كانوا الأكثر إيغالا في الطائفية، وادعوا الديموقراطية طورا لكنهم كانوا الأكثر رفضا لخيارات الناخبين عبر صناديق الاقتراع، وادعوا الحريات على الدوام لكنهم كانوا يقصدون حرية إطلاق يد النظام في كل شيء. أنظمة أبادت مجموعات بشرية على أساس عرقي وأحيانا طائفي داخل حدودها بحجة رفض الهجوم على العروبة والدين ولم يسئ إلى العروبة والدين أحد أكثر منها.
ولنكن صريحين، ليست الأنظمة وحدها مسؤولة فالمجتمعات العربية «فيها الخير» أيضا، والكثير من النخب السياسية والاجتماعية والفكرية يمارس القمع نفسه وإن بلغة أخرى. لا يقبلون الآخر ولا يعرفون الحوار معه إلا بلغة الصدام والتصعيد والمواجهة. لا يؤمنون إلا بالحرية التي تسمح لهم وحدهم بإبداء آرائهم ولا يعرفون من الديموقراطية إلا ديمومتهم على الكرسي وليس التداول.
عندما يطرح الآخرون أسئلة الربيع العربي وما بعده يقفز بعضنا فورا ليقول إنهم يريدون تقسيم المنطقة من خلال السماح لكل مجموعة أو فئة بحرية الحركة والحق في تقرير المصير. هذا لأننا لم نختبر حتى الآن صيغة تسمح بتعايش التمايزات في إطار واحد تحت سقف دستور عصري وقوانين جامعة قادرة على السماح للجميع بالتعبير في إطار مدني.
إذا كنا نقدم القائد أو الحزب أو الطائفة أو المذهب أو القبيلة أو المنطقة على ما عداها في الفكر والممارسة فالربيع العربي ستذبل وروده بسرعة وتصبح أشجاره حطبا يابسا لنار سريعة الاشتعال، أما إذا كنا سنجري مصالحة حقيقية مع الحريات والديموقراطية وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات ونرتقي بالممارسة إلى المستوى الإنساني الجامع فيمكننا القول إن العرب قاموا بثورة حقيقية… لا فورة ظرفية.