دعه يواجه مصيره
لست مهتما إطلاقا بمعرفة أسماء النواب الذين اعتادوا على قبض الرشاوى كمقابل لبيع مواقفهم في مجلس الأمة. ولست أرى ثمة فرق بين كون الراشي هو الشيخ فلان أو ابن عمه، أو شخص آخر غيرهما. ولست مهتما أيضا إن كان موضوع الرشوة التصويت في استجواب أو على رئاسة مجلس الأمة.. لست مهتما إطلاقا بأي تفاصيل، إنما اهتمامي ينصب على مراقبة موقف السلطة وموقف الرأي العام، وعلى معرفة مقدار تأثير “فضيحة الرشوة” على ما تبقى لدى المواطنين من ثقة في سلطات الدولة ومؤسساتها وفي بعض الأشخاص ممن يتحملون مسؤولية عامة.
إن الرشوة السياسية في الكويت قديمة قدم مجلس الأمة، والجديد هو التفاصيل المتغيرة، مثل الأسماء و”الأسعار” والمناسبة. فالرشوة السياسية كانت منذ زمن أحد أهم أدوات الصراع بين متطلبات “المشيخة” بصورتها التقليدية وبين متطلبات الدولة الدستورية الحديثة.. دولة القانون والمؤسسات. والرأي العام يعي تماما وجود الرشوة السياسية وتفشيها، والناس يتحدثون في التفاصيل تماما كحديثهم عن أسعار الأسهم في البورصة!
إن التمادي الذي نشهده اليوم في حالة الرشوة السياسية، ليس إلا نتاج تراخي المجتمع وعدم توفر الإرادة العامة لتخليص العمل السياسي من العديد من الآفات التي تنخر به وليس من الرشوة السياسية فقط. واليوم إذا أردنا، كمواطنين، أن نحافظ على احترامنا لذاتنا أولا، وإذا أردنا أن نحافظ على ما تبقى من سمعة سلطات الدولة ومؤسساتها ثانيا، وإذا أردنا أن نطهر العمل السياسي من “الفطريات” العالقة به والمتحكمة في مستقبلنا ثالثا، فعلينا أن نتعاضد ونتضامن جميعا في موقف شعبي منظم نتداعى له من أجل دعم الجهود التي يفترض أن يبذلها عدد من النواب المخلصين في السياق ذاته.. موقف جاد وواضح لا نتخاطف فيه أدوار البطولة والزعامة، ولا نمارس خلاله عادة التخوين وافتعال المعارك الهامشية. إن استمرار الحكومة الحالية ورئيسها في هذه المرحلة هو، بلا أدنى شك، استفزاز شديد وصريح للرأي العام. وهذا هو بالضبط ما يحتاجه شباب الكويت في المرحلة الثانية من تحركهم في الشارع.
وإلى أصحاب الرأي والتأثير من المقربين الجالسين على ضفاف السلطة ممن يطلق عليهم وصف “البطانة”، أقول أتمنى عليكم أن تنتبهوا وتنبهوا إلى خطورة الوضع القائم، وأن تدلوا بدلوكم وتعلنوا رأيكم في احتمالات انفلات الأوضاع، وأقول لكم جهرا: كفاكم مجاملة وتزلف ونفاق، وبالمرة كفاكم “زلق وايرات” بعضكم لبعض وتحريض ضد الآخرين!
أما شيوخنا الأعزاء، كبار وشباب، ذكور وإناث، وزراء وغير وزراء، من ينتظرون دورهم في المناصب ومن هم بها يزهدون، أقول: ماذا تنتظرون؟ ألا تشعرون بالضرر الذي لحق بسمعة أسرتكم الكريمة من الناحية السياسية بسبب استمرار سياسات رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد؟ هل تعون وتدركون ما يحدث حولنا؟ هل لديكم نظرة بعيدة للاحتمالات السلبية التي يمكن للبلاد أن تتعرض لها؟ ترى ما هو تحصيلكم للأحداث التي جرت في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا؟ أخاطبكم وأنا أخشى أن بعضكم لم يلفت نظره في الثورات العربية سوى “البلطجية” و”البلاطجة” “والشبيحة” و”معركة الجمل” ويفكر بتسمية بأمثالهم في الكويت.. أخاطبكم وأنبهكم في الوقت نفسه إلى أن زمن الحكم المطلق و”الفداوية” قد ولى إلى غير رجعة، وليس أمامكم سوى الإيمان بالإصلاح السياسي ومسايرته مبكرا، لأنه سوف يفرض نفسه في يوم من الأيام. أقول هذا وأنا على يقين أن بينكم من يؤمن بضرورة الإصلاح والتغيير، لكنها “تقاليد الأسرة” التي تمنع معظمكم من الجهر بقناعاتكم، فاكسروا تلك التقاليد من أجل المصلحة العامة وتحدثوا بصوت مسموع هذه المرة.
وإلى رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد أقول: كفي يا شيخ ناصر.. لقد استهلكت كل ما هو متوفر لك في حساب الأعذار والمبررات.. تخلى عن منصبك رأفة بالشعب الكويتي، فقد اقتربت الدولة في عهدك من مرحلة الانهيار.
ولأن مبدأ أمرنا السياسي ومنتهاه بيد صاحب السمو أمير البلاد أمد الله في عمره، فإنني أخاطب سموه وأقول بوضوح وصراحة: صاحب السمو.. إن استمرار الوضع على ما هو عليه اليوم سوف يدمر ما تبقى من سمعة الدولة وسلطاتها ومؤسساتها، ويلحق الضرر الفادح بسمعة الأسرة الحاكمة. ولابد، هذه المرة تحديدا يا صاحب السمو، من ترك مسافة واضحة بين الأسرة والنظام وبين فضيحة الرشوة السياسية.. مسافة يشعر بها المواطن العادي ويستطيع من خلالها عزل “الراشي والمرتشي” عن النظام وعن باقي أفراد الأسرة.. مسافة يرى المواطن من خلالها أن الأسرة قادرة على تطهير نفسها بنفسها.
يا صاحب السمو.. نعلم تماما أنه لا أحد يستطيع أن يفرض على سموكم اتخاذ قرار إقالة الحكومة ورئيسها، وندرك أنك تحرص على الاستقرار السياسي.. لكننا نثق أيضا بأنك لن تقبل بأن يتم، في عهدك، التستر على فضيحة سياسية بهذا الحجم بعد انكشافها. إنني أرجوك يا صاحب السمو ألا تعطي بالا لمن يقول بأن “الأمور تحت السيطرة” في مجلس الأمة وفي الصحافة، فالمسألة تعدت ذلك بكثير.. أرجوك يا صاحب السمو دع “الراشي” يواجه مصيره لوحده.. أرجوك لا تسمح له باستخدام راية النظام والأسرة هذه المرة كي يحمي نفسه. إن راية النظام يجب أن تبقى بمنأى عن متناول “الراشي” أو حمايته كي لا تتلوث بما تورط هو فيه.. واليوم لا غنى للكويت، يا صاحب السمو، عن إجراء عاجل انتقالي يوقف التداعيات.. حل مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات جديدة، ثم تشكيل حكومة جديدة برئيس جديد وبنهج جديد.. والأهم من ذلك يا صاحب السمو، الشروع في قيادة إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة وجذرية بحجم إصلاحات المغفور له الشيخ عبدالله السالم.. ولتحتضن إرادتك يا صاحب السمو تطلعات شباب الكويت وأمانيهم ورغباتهم وأهدافهم في الإصلاح والتطوير التي يعملون على تحقيقها بكل العزم وبمنتهى الجد.
أضف تعليق