أقلامهم

مقال ساخن
أحمد الجارالله لا يرى عيباً في الحصول على الأموال من الشيوخ

رئيس تحرير جريدة السياسة أحمد الجارالله، المقرب جداً من رئيس الحكومة، لا يرى بأساً في الحصول على “شرهة” من أحد شيوخ الخليج، وكأنه بطريقة غير مباشرة يشير إلى أن من قام برشوة القبيضة شيخاً من شيوخ الخليج. 

اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن اللطف فيه

ننام على ازمة ونصحو على اخرى تلد ازمات أُخر, ولا تنفك ايامنا عن الحبل بالمزيد مما يهز الاستقرار, ورغم انها كلها تنتهي الى لا شيء لكنها تحرق في طريقها اخضرنا ويابسنا, وتضيق مساحة الثقة بيننا فترتفع جبال الريبة لتضعف المناعة السياسية والاقتصادية وتسود البلبلة والفوضى, فهل دخلنا زمن العقاب, حين يؤخذ فيه الجميع بجريرة بعض مرتكبي المعاصي السياسية?

اشد ما يؤسف له ان الحراك السياسي الحالي ليس هدفه الاصلاح الذي ينشده كل كويتي, انما هو سعي حثيث لقلة تعمل جاهدة على حل مجلس الامة وازاحة رئيسه, والدفع لاستقالة مجلس الوزراء وتنحية رئيسه ايضا, لأسباب لم تعد خافية على احد, فكل هذا الضجيج ليس اكثر من صدى لحراك سياسي في بيت الحكم, بسببه تعس نار الخلافات في كل النواحي بحق او من دون حق, وفي خضمه لا يتوانى من كانت بيوتهم من زجاج في رشق الناس بحجارة الاتهامات, وهو ما يدعو الى التساؤل: الى اين تريد تلك القلة الوصول بالبلاد?

لذلك حين تناولنا ما تشهده الكويت اليوم من احداث خطيرة عملنا بمبدأ الوقاية خير من العلاج, وتصدينا للاوضاع الشاذة الناشئة على هامش ما سمي “ايداعات مليونية” واحالة بعض البنوك حسابات بعض المودعين الى النيابة العامة, اذ كان ولا يزال همنا الاول والاخير التحذير من التداعيات المترتبة على مغامرة رعناء تودي بالبلاد الى مجاهل لا يعلمها الا الله, وبخاصة حين تنحدر الممارسة السياسية الى درك وضيع جدا, حيث يعمد كل من يريد تصفية حساب مع أحد الى اتهامه بأبشع التهم, حتى وصل الامر الى حدود الطعن بالشرف والذمم, وتورط بعض المصارف في هذه المعمعة عبر احالة مودعين الى النيابة العامة, ما اثار جزع الناس حيال ما ينتظرهم من مخاطر في حال ترك حبل الكيدية على غارب الفوضى, وتحوّل المصارف مراكز مراقبة امنية على المودعين.

في كل هذا, ألم يسأل من انغمسوا في البلبلة وساروا بركب مفتعليها عن السر في توقيت اثارة القضية والتداعيات الخطيرة التي ستنتج عنها, والاهداف الحقيقية لكل ذلك? ألم يدركوا ان من أثارها آخر همه حماية الاقتصاد الوطني ومحاربة الرشوة او الفساد, بل ان هدفه سياسي وشخصاني بامتياز يمارسه من يطمحون الى تحقيق كل اساليب الهدم والتخريب.

والله لقد ضحكنا على انفسنا وادخلنا بلادنا في جو مماحكات والسبب ممارسات بعض انصاف المتعلمين من سياسيين يحركهم الحقد والحسد والأذى وكأنهم تخرجوا في مدرسة شمشون, فهم لا يتورعون عن هدم المعبد على رؤوس الجميع, غير مدركين ان الخراب لا يوفر أحدا.

ما يحدث ليس سوى قلب للموازين, فكيف هكذا فجأة, ومن دون مقدمات, يثور الحديث عن رشى سياسية وشراء ذمم, ثم يقال ان جرائم غسل الاموال, لا تسقط بالتقادم, ومنطق العدالة في هذه الأمور يحتم ان لا تقتصر البلاغات على ستة او سبعة نواب, فمن يرد احقاق الحق فعليه ان يطلب الكشف عن حسابات الناس, اذ عندها يصبح كل حساب مشكوكاً فيه, ما يعني ان المصارف تزج بنفسها في محنة تحت شعارات الشفافية والشرف والكرامة وغيرها من الحجج التي أثيرت لدوافع سياسية انتهازية.

كثيرة هي الاسماء التي تداولتها المنتديات وقيل الكثير في هذا المجال, كما دار الحديث عن ملايين اودعت نقداً في البنوك, بينما احد المحالين الى النيابة العامة زاد رصيده سبعة آلاف وخمسمئة دينار فقط, فأين هي الملايين التي قيل انها اودعت? وما هي هذه الرشوة التي لا تتعدى ما يسمح بايداعه القانون, الا يودع تجار الكويت يومياً عشرات, بل مئات الآلاف وأحيانا ملايين الدنانير نقداً في البنوك? فهل سيحال هؤلاء الى النيابة العامة وتاليا تتحمل البنوك مخاطر هذه الخطوة وتزج بنفسها في ما لا يمكنها تحمل تبعاته لاحقا?

فات البعض اننا لسنا في”فيفث أفينيو” بنيويورك او “أوكسفورد ستريت” بلندن او “الشانزليزيه” في باريس, انما نحن مجتمعات خليجية تقوم على “الشرهات” والهبات والعطايا والجاهات, والتكافل الاجتماعي والتراحم, لذلك من الطبيعي احيانا ان يودع احدهم سبعة الاف دينار او حتى مئة الف او مئتي ألف, وحين يحال هذا الى النيابة العامة ويسأل: من أين لك هذا? يقول أعطاني اياها احد شيوخ الخليج, فهل المطلوب من النيابة ان تأتي بالشيخ مخفوراً ليشهد ويعترف? بل هل اذا جاء الشيخ وقال: نعم أعطيته المبلغ سيطلب منه اثبات ذلك بالوثائق والمستندات? 

اننا في دول لا تخضع للقوانين الضريبية حتى تكون هناك جرائم تهرب من الضرائب, كما ان دولنا لديها قوانين عدة لمنع غسل الاموال, وليست البنوك معنية بممارسة ما يخالف القانون ومناقضة علة وجودها والادعاء على هذا المودع او ذاك بعد ان تقبل منه ايداع اي مبلغ, وهو ما لا يحدث حتى في الدول المتشددة ضريبيا, بل ان ما يحصل عندنا لم تشهد مثيله اي بنوك في العالم, حتى في الانظمة الشمولية التي تخضع فيها حركة الاموال لرقابة صارمة لم تتجرأ بنوكها على ما اقدم عليه البعض عندنا.

والله… والله… والله لقد تعبت الكويت وشعبها وتعبنا, وتعبت انا كاتب هذه السطور مع هؤلاء الناس وأرهقنا الاذى وقلة العقل والحيلة. لقد كثر جدلنا وقل عملنا, وامعنا في ارتكاب المعاصي السياسية التي تزيل النعم, ولا نملك الا ان نقول: لا حول ولا قوة الا بالله… أليس هناك رجل رشيد? 

اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه.