أقلامهم

جاسم بودي يقول أن الإرادات لا يمكن أن تسجن أو تطوق بالقوات الخاصة

توحيد الإرادات 


جاسم بودي 
 
لا نكون في دولة اسمها الكويت إذا استجبنا للدعوات المطالبة بمنع التجمع والحراك الشعبي… نكون في دولة أخرى سمها ما شئت وما أكثرها في العالم العربي. وكم هي المفارقة مؤلمة، ان شعوب دول عربية قمعية تبذل دماءها وتخسر خيرة شبابها من أجل أن تقترب من النموذج الكويتي في الحريات العامة والديموقراطية فيما تصدح أصوات داخلية مطالبة بقمع المهرجانات وقطع الطرق على حرية التعبير.
عندما كان عنوان صحيفتنا الرئيسي قبل يومين «الساحة على إرادتها» كنا نقصد أن الإرادات لا يمكن أن تسجن أو تبعد إداريا أو تطوق بقوات خاصة، وطالما ساحات الكويت موجودة، فالارادات موجودة لأننا في الكويت أعطينا العالم قبل عشرات السنين دروسا في التوافق بين الحاكم والمحكوم… يوم كانت كلمة ديموقراطية أقرب الى نظام الكفر منها الى نظام الحكم. لذلك نتمنى على الذين يريدون تغيير مسار قطار المستقبل ان يستقلوه بدلا من الوقوف أمامه وأن يشاركوا ركابه في تقرير مصير وجهته.
نعم لتحرك الشباب ضد كل ما يرونه خطأ ويحتاج الى الإصلاح، ونعم لمهرجان ساحة الإرادة بحضوره المتنوع الحاشد، ونعم للاتفاق والتوافق بين القوى السياسية على ضرورة كشف الفساد وكل قصور أو خلل أو تعد على المال العام، فلولا الحيوية السياسية التي ننعم بها ولولا الحريات التي كشفت المستور لكانت سرقات تاريخية بقيت طي الكتمان ولكان السقوط عنوان الحياة الادارية والسياسية والاقتصادية في الدولة.
تحية الى محاربي الفساد في أي موقع كانوا، ولهم كل الدعم والمؤازرة خصوصا اننا كنا وما زلنا وسنبقى سلاحا في يدهم لتحقيق غاياتهم الاصلاحية، وليكن قضاؤنا الشامخ السيف القاطع والكلمة الفصل، فالديموقراطية تعني احترام فصل السلطات لا التشجيع على التداخل بينها، والحريات تعني إعلاء شأن المؤسسات لا تهميشها، والإصلاح يعني تحصين الادارة لا هدمها.
وبما أن الاصلاح لا يتجزأ فالشخصانية ايضا لا تستقيم مع مطالب التغيير. اما ان تكون المسطرة الشعبية واحدة على الجميع وللجميع واما سقوط القضايا في ساحة المحاباة والمسايرة والتستر، فالقانون هو القانون هنا وهناك والراشي هو الراشي هنا وهناك والمرتشي هو المرتشي هنا وهناك. أما أن يقال فلان «فاسد» نتيجة تضخم غير طبيعي في ارصدته وفلان «مصلح» رغم التضخم نفسه، فأمر غير مقبول حتى ولو كان مدعي الاصلاح يريد ان يغسل سمعته بالتقرب من رموز الحرب على الفساد.
والشيء بالشيء يذكر، فإما ان تكون منطلقات التحرك وطنية التوجهات اولا واخيرا وهدفها المصلحة العامة والتحصين والتغيير والتطوير وإما فتح الباب لتفسيرات كثيرة اولها المصالح الشخصية وآخرها الكيدية السياسية… وبينهما تصفية حسابات لتغيير واقع سياسي معين. ولا نعتقد أن رموز العمل الوطني يرضون بتحويل الحرب ضد الفساد إلى حرب اخرى لتمرير اجندات معينة تتعلق ببنية النظام وطبيعته مهما تعددت الاجتهادات في هذا المجال.
بمعنى أوضح، لا نعتقد ان تجمعا طليعته تنادي بكشف الفساد ومحاسبة المفسدين والفاسدين وأوسطه ينادي بتعديل الدستور ومؤخرته تطالب بتغيير جذري في النظام السياسي، يمكن ان يخدم قضية محاربة الفساد، رغم عدم الاعتراض مطلقا على اي رأي أو تحرك يتعلق بالدستور والنظام، فلكل مقام مقال وتشتت المطالب يشتت الحرب الحقيقية التي من أجلها تنادى الجميع.
وحدة المطالب في معركة الحرب على الفساد ليست تفصيلا في هذا الحراك بل ركيزة جوهرية من ركائزه، فالجميع مع الاصلاح وتطهير الذمم قبل الادارة، اما القضايا الاخرى فتحتاج الى توقيت مختلف واجماع استثنائي وتوافق عام… والاهم من هذا وذاك ان الاصلاح يحتاج الى التمسك أكثر بالاستقرار والتمسك أكثر باحترام القانون لأن الفوضى افضل وقود لمحرك الفساد.
الحمد لله اننا في الكويت، والحمد لله اننا نستطيع في ظل دستورنا ونظامنا السياسي صيانة دولتنا وتحصينها بالارادات قبل القوانين، والحمد لله ان رئيس كل السلطات صاحب السمو الامير هو من اطلق الحرب بقوله ان الفساد في بعض الادارات «ما تشيله البعارين» طالبا التعاون والتكاتف لمكافحة هذه الآفة… والحمد لله ان ساحاتنا على إرادتها لا على إرادة ساحات الآخرين.