أحمد الديين
وزراء بيع الكلام
لعلّي لا أضيف جديدا عندما أكتب أنّ الوزارة في الكويت لم تعد منصبا سياسيا، وأنّ الوزراء لم يعودوا مثلما يفترض بهم أن يكونوا رجال دولة يشاركون في صنع القرار السياسي، فمنذ منتصف السبعينيات تحوّل المنصب الوزاري في الكويت إلى منصب إداري رفيع يتولاه موظف كبير بدرجة وزير لا دور له في صنع القرار السياسي للدولة… ولكن ما يميّز وزراء هذه الحكومة البائسة أنّهم بالإضافة إلى ما سبق أصبحوا يتقنون على نحو ملحوظ لعبة “بيع الكلام”، حتى وإن كان هذا الكلام فارغا فاقدا لمعناه..!
ويوم أمس فقط رصدت ثلاثة تصريحات منسوبة إلى ثلاثة من وزراء “بيع الكلام” المتميزين… فوزير المالية مصطفي الشمالي وجّه رسالة إلى موظفي الجمارك المضربين، وذلك عبر المدير العام للجمارك إبراهيم الغانم، أعلن فيها تبنيه مطالبهم؛ وأرفقها بمطالبته إياهم وقف الإضراب… وإذا تجاوزنا ما تنطوي عليه رسالة الوزير من تأكيد رسمي على عدالة مطالب رجال الجمارك المضربين، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يمارس هذا الوزير دوره المفترض فعلا لا قولا داخل مجلس الوزراء في إقرار هذه المطالب الحقّة وذلك قبل أن ينفّذ موظفو الجمارك إضرابهم عن العمل الذي لم يكن مفاجئا لأحد، بل سبقته مطالبات عدة ومناشدات متعددة لم تلقّ غير الصد والإهمال الحكوميين؟!
أما وزير الأشغال العامة وزير الدولة لشؤون البلدية وزير الشؤون الاجتماعية بالإنابة الدكتور فاضل صفر فيبدو أنّه بحكم خبرته السياسية يمتلك قدرة فائقة غير مسبوقة على “بيع الكلام”، حيث يتحدث وكأنّه ليس أحد أعضاء هذه الحكومة المتهمة برعاية الإفساد والفساد والإيداعات المليونية، فهاهو يشارك بكل ثقة في “منتدى الكويت للشفافية الخامس” ويعلن بكل اعتداد بالنفس، في كلمته التي ألقاها في المنتدى، أنّ الكويت تُعدّ من الدول السباقة في مجال مكافحة الفساد والإصلاح بعد توقيعها “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد” العام 2003، قافزا فوق الواقع الفاسد الذي كانت حكومته سباقة إليه، ومتجاهلا التراجع الفاضح للكويت في مؤشر مدركات الفساد العالمي الصادر عن “منظمة الشفافية الدولية”، ومنكرا الحقيقة المؤلمة المتمثّلة في عدم تنفيذ الكويت أبسط التزاماتها تجاه “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد”، وكأنّه يكفي فقط أن يدعي معاليه ما ادعاه من أنّ الكويت سباقة في مكافحة الفساد ليصبح ادعاؤه المنافي للواقع والمناقض للوقائع حقيقة مطلقة غير قابلة للجدل!
وعلى خُطا زميليه حاول وزير الدولة لشؤون التخطيط والتنمية عبدالوهاب الهارون أن يبيعنا كلاما حكوميا فاقدا لمعناه، ولكنه، والحقّ يُقال، حاول أن يكون متوازنا في تسويق بضاعته الكلامية، عندما وازن في تصريحه المنشور يوم أمس بين إقراره حقّ النواب بأن يرفعوا أصواتهم عاليا في مواجهة الفساد، ومطالبته في المقابل بالتحقق أولا من التهم… وكأنّ المشكلة هي مشكلة وجود المبرر الذي يجيز ارتفاع الأصوات ضد الفساد أو غيابه… والأسوأ من ذلك تجاهله فضيحة إيداعات مليونية، وكأنّه لا فضيحة ولا هم يحزنون، ولا حسابات مصرفية متضخمة لبعض النواب المحالين إلى النيابة العامة ولا هم يقبضون، وإنما المشكلة تتمثّل في اتهامات لما يتم التحقق منها بعد، فإن تمّ ذلك فلا بأس من ارتفاع الأصوات ضد الفساد..!
هذه النماذج الثلاثة لوزراء “بيع الكلام” المرصودة خلال يوم أمس فقط تكشف لنا بالملموس جدارة هؤلاء الثلاثة بأن يتولوا إلى جانب حقائبهم الوزارية حقيبة “وزارة الإعلام” الشاغرة بوصفها الوزارة المسؤولة رسميا عن “بيع كلام حكومة إن لم تستح فقل ما شئت”… أما ما شاءت القيام به من فعل فاقد للحياء فأمره مفضوح!
أضف تعليق