أقلامهم

محمد العوضي: مداعبة جريدة «الجريدة» ملتحون وعلمانيات وسكارى

محمد العوضي
مداعبة جريدة «الجريدة» ملتحون وعلمانيات وسكارى
من الأماكن التي تُتيح لك الاطلاع على عددٍ لا بأس به من الجرائد السفر في الطائرة لمُدّد طويلة والجلسة عند الحلاق… أول من أمس السبت اطلعت على صحيفة «الجريدة» عند الحلاق ولفت انتباهي المانشيت العريض على الصفحة الأولى لتغطية خبر عن تونس وكان نص المانشيت بالخط العريض كالتالي: «إسلاميو تونس يتظاهرون ضد فيلم فارسي» وجاء مانشيت العنوان الفرعي من تحته: بهذا العنوان: «رفع رايات حزب التحرير… ومواجهات أمام مقر الحكومة».
وتمنيت لو كان الخبر مشفوعاً باسم كاتبه أو ناشره لاتصل به مباشرةً كي أجري حواراً مع زملاء الصحافة وتوصيل الفكرة أو الملاحظة على الخبر… في البداية لابد أن نقرر حقيقة من أن الحياد المطلق والموضوعية الكاملة تكاد تكون مستحيلة لأن الإنسان مخلوق منتم ومن ثم فَهو «مُتحيِّز» ليس فقط على مستوى الايديولوجيا والعرق بل أن آخر البحوث توصلت الى كشف التحيز في الدراسات الاحصائية والأرقام والعجيب أن تحيزات الإنسان وصلت الى العلوم الطبيعية التي تكون نسبة الموضُوعية فيها عالية جداً وقد اضافت «سلسلة اشكالية التحيز رؤية معرفية» شارك فيها أكثر من أربعين باحثاً في شتى العلوم وحررها د. عبدالوهاب المسيري وقد استفدت كثيراً من المجلد الذي ناقش التحيز في العلوم الطبيعية وشارك فيه عشرة باحثين بما فيهم أ.د. أحمد فؤاد باشا رئيس قسم الفيزياء بجامعة القاهرة والحائز على جائزة مؤسسة التقدم العلمي ومترجم كتب عالم المعرفة في فيزياء الكوارك والكوانتام.
هذا الاسترسال في الكلام عن التحيز في العلوم لأبين مدى صعوبة التحرر من الانتماء وتحقيق المهنية في عالم السياسة والصحافة، لأن الجريدة إما أن تكون مملوكة لدولة أو حزب أو كتلة اقتصادية ولكل من هؤلاء أجندتهم وأفكارهم ومن ثم سينعكس على مادة الصحيفة وطريقة تناول الأخبار.
قراءتي لمانشيت الزميلة جريدة «الجريدة» جاء لاحقاً لمتابعتي تغطية خبر المظاهرات التونسية ضد قناة «نسمة» ليلة الجمعة وأثبت مراسل الجريزة بالفيديو والمقابلات ثم الجزيرة بالحوار مع محللين سياسيين ظاهرة جديدة.
أولاً: أن المظاهرات شملت كل ألوان طيف المجتمع التونسي وقال المراسل بالنص خرج فيها المحجبات والسافرت والملتحون والحليقون لأن الموضوع كبير جداً، مس دين المجتمع التونسي سخرية بالذات الإلهية… بل أخرج الناس من الخمارات واسألوا أي تونسي…
ثانياً: هذه أكبر مظاهرة خرجت بعد سقوط نظام بن علي.
ثالثاً: كل الخطباء دعوا الى المسيرة السلمية وكانت كذلك لولا تعكيرها بتوجه بعضهم الى مبنى الحكومة وحصلت مواجهات، ثم ليس دقيقاً ان المسيرة كانت خمسة آلاف اسلامي لأن تونس خرجت عن بكرتها من الشمال الى الجنوب من أجل دينها دين الذات الإلهية والصلاة والصيام ليست خاصة بالجماعات الاسلامية.
وأمس اتصلت بلطفي العمدوني الناشط السياسي في تونس والذي سجن 18 عاماً وقابلته في حلقة في العشر الأواخر من رمضان الماضي على «الراي» في برنامج وقال لي: حتى العلمانيون والليبراليون واليساريون أدانوا سخافة القناة لهول ما رأوا من احتجاجات الشارع العارمة.
تونس بلد مسلم والناس مهما تفاوتوا في درجة تمسكهم بدينهم، فإن ما صنعته قناة «نسمة» المشبوهة خارج عن دائرة مصطلح الحرية الذي ابتذل وأهين كثيراً، لذا خرج الناس صفاً واحداً (ملتحين وسافرات وسكارى) ضد الهجمة الشرسة على عقيدتهم نصرة لدينهم.