أقلامهم

عبدالله الهدلق يسرد تاريخ البرامكة الذين هم في الأساس أسرة فارسية مجوسية

من هم البرامكة وما حقيقة نكبتهم؟


عبدالله الهدلق


البرامكة أسرة فارسية زرادشتية مجوسية ترجع اصولهم الى جدهم الاول برمك المجوسي الذي كان من سدنة بيت النار ودهاقينه ولا يذكر له اسلام، وتسميتهم باللغة الفارسية «برمكيان»، وكانت للبرامكة حظوة كبيرة ومكانة عالية في الدولة العباسية فقد كان يحيى بن خالد البرمكي مسؤولاً عن تربية الرشيد، اما زوجته فقد ارضعت الخليفة هارون الرشيد، وقد قام يحيى البرمكي على امر وزارة الرشيد، وقد فوضه الرشيد بكل الأمور، اما الفضل بن يحيى بن خالد فقد كان اخو الرشيد في الرضاعة ووكله على تربية ابنه الامين بن هارون الرشيد واخذ البيعة للأمين بولايه العهد، وكانت حجتهم في ذلك ان الامين هاشمي الابوين، وان ذلك لم يجتمع لغيره من خلفاء بني العباس، وكان يؤجج تلك الرغبة كرههم لآل برمك الفرس الزرادشتين الذين استأثروا بالرشيد ونالوا حظوة كبيرة ومكانة عالية لديه، وهكذا اصبح الامين ولياً للعهد وولاه الرشيد على بلاد الشام والعراق، وجعل ولايته تحت ادارة مربيه الفضل بن يحيى البرمكي.
اصبح الامين شاباً يافعاً وظهر نفوذ امه زبيدة التي باتت تنقم على البرامكة الفرس المجوس ما صاروا اليه من النفوذ والسلطان في بلاط الرشيد، وتسعى الى استقطاب العنصر العربي في مواجهة تصاعد النفوذ الفارسي ممثلاً في البرامكة، وتفاقم الصراع الذي اتخذ صورة قومية داخل البلاط العباسي بين العرب والفرس الزرادشتيين عندئذ بدأ البرامكة يعيدون النظر في مسألة ولاية العهد فاستخدموا نفوذهم واستغلوا قربهم من الرشيد ومنزلتهم عنده في ايجاد منافس للامين وامه زبيدة، فوجدوا بغيتهم في شخص المأمون الأخ الاكبر لاسيما وان امه فارسية واستطاع البرامكة بخبثهم ودناءتهم ان يقنعوا الرشيد بعقد البيعة لولده المأمون على ان تكون ولاية العهد له من بعد أخيه الامين.
نكبة البرامكة دليل على احتدام الصراع بين العرب والفرس الزرادشتيين الذين يمثلهم البرامكة المتعاظم نفوذهم وجرأتهم على الخليفة وتحكيمهم في امور الدولة وقد بدأت نكبة البرامكة على يد هارون الرشيد عندما قرر التخلص منهم ووضع حد لنفوذهم، ولم يكن ذلك بالأمر الهين او المهمة السهلة فقلد تغلغل البرامكة في كل امور الدولة ومفاصلها، وصار لهم كثير من الانصار والاعوان، فاتبع الرشيد سياسة الكتمان وعنصر المفاجأة حتى يلحق بهم الهزيمة المنكرة ويوجه اليهم الضربة القاضية فأمر رجاله بالقبض على البرامكة جميعاً وسلب الامان ممن آواهم وأعمل فيهم يد القتل والتشريد وصادر اموالهم ودورهم وضياعهم، وفي ساعات قليلة من عام «187هـ» انتهت اسطورة الفرس الزرادشتيين «البرامكة»، وزالت دولتهم، وزالت سطوة تلك الاسرة الفارسية المجوسية التي آلت اليها مقاليد الحكم وامور الخلافة لفترة طويلة من الزمان، تلك النهاية المأساوية والمؤلمة التي استحقها الفرس نتيجة غدرهم ومؤامراتهم ودسائسهم ضد العرب العباسيين، والتي اصطلح على تسميتها بـ«نكبة البرامكة».
كان لـ«نكبة البرامكة» اكبر الاثر في اثارة غضب القومية الفارسية التي عمدت الى تشويه صورة هارون الرشيد ووصفه بأقذع الصفات وابشع النعوت، وتصويره بصورة الحاكم الماجن المستهتر الذي لاهم له الا معاقرة الخمر ومجالس الجواري واللهو والمجون، حتى طغت تلك الصورة المشوهة الظالمة على حقيقة الخليفة هارون الرشيد الذي عرف بشدة تقواه وحرصه على الجهاد والحج عاماً بعد عام، اما حديث الافك والرواية الكاذبة لزواج العباسة اخت هارون الرشيد من جعفر بن يحيى البرمكي، فهي قصة شعوبية مدسوسة لا اساس لها من الصحة، استندت الى اشاعة كاذبة راجت بعد مقتل البرامكة، وقد نفى كل من الطبري، وابن خلدون، وصاحب كتاب «العبر وديوان المبتدأ والخبر» نفوا ذلك الزواج المكذوب جملةً وتفصيلاً، نفوه نفياً قاطعاً بالادلة العقلية والنقلية المعروفة والمستقاة من سيرة ذلك الخليفة العربي الهاشمي المسلم هارون الرشيد.
اوردت حقيقة البرامكة ونكبتهم من مصادرها التاريخية الموثقة نزولاً عند رغبة عدد من القراء الاعزاء والمتابعين الكرام الذين طلبوا مني ذلك، فلهم كل الاحترام والتقدير والشكر.