أقلامهم

افتتاحية القبس ترى في “القبيضة” ورماً سرطانياً يجب استئصاله ولن يتم ذلك إلا بحل المجلس والعودة إلى أصحاب الحق الشرعيين بإجراء انتخابات مبكرة

الحل.. بمستوى الأزمة


القبس 


الأزمات المفصلية في السياسة لا تعالَج بالتجاهل، كما لا تنجح المسكنات في علاج مرض خطير.
الأزمات الكبرى، والمنعطفات، تحتاج إلى قرارات وإجراءات بمستواها، فإذا لم تأت. تتفجر هذه الأزمات أكثر وتشتد مخاطر المنعطفات.
وهذه هي أزمة الإيداعات والتحويلات المليونية الجاثمة على صدر الكويت منذ حوالي 60 يوماً تتشظى في غير اتجاه، وتتسبب في استقالة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ د. محمد صباح السالم، بعدما هزت الحكومة والمجلس معا، مع انه بعيد عن تلك الايداعات والتحويلات، بل كان سباقاً من بين أعضاء الحكومة في إدانتها كما في الدعوة الى محاربة الفساد ومحاسبة مرتكبيه.
الاستقالة إنذار قوي جدا على ما يمكن أن تصل إليه الأزمة، إذا بقيت الحلول غائبة أو مغيَّبة، فالذي يغادر هو أحد أبناء النظام، وركن مهم فيه، امتاز طوال عمله الوزاري بالمصداقية والشفافية، مراعيا قسمه بأن يؤدي مسؤوليته بالشرف والأمانة.
***
لنكرّر تسلسل الحدث الذي يخيم على الكويت منذ 20 أغسطس الماضي، ويشغلها شعبا، وحكما، ومجلسا، وحكومة، وقوى سياسية.
نشرت القبس في ذلك التاريخ من شهر رمضان المبارك خبرا مفاده تضخم حسابات عدد من أعضاء مجلس الأمة بإيداعات مشبوهة لدى بعض البنوك المحلية.
صُعق أغلب المواطنين لهذا الخبر، وتداولته وسائل الإعلام المختلفة، وتطرق اليه كثير من الكتَّاب والمحللين في الصحافة المحلية والفضائيات، وأصبح، من يومها، محور كل الحياة السياسية في الكويت، ووضع الجميع أمام تحدي إيجاد العلاج لهذه الظاهرة السيئة للبلد، المعيبة للشعب، المهينة للسلطة التشريعية، المسيئة لمن دفع واشترى، ولم يتم نفي الخبر من أي جهة رسمية أو مصرفية أو غيرهما.
وكانت الصدمة الكبرى – ليس لــ القبس طبعا لأنها كانت واثقة من خبرها، لذا نشرته – عندما قامت بعض البنوك، تأكيدا للخبر، بتحويل حسابات بعض النواب إلى النيابة العامة بسبب تضخمها وعدم تبرير حيازتهم لها، وذلك تطبيقا لقانون مكافحة عمليات غسل الأموال رقم 35 لسنة 2002.
***
نتيجة لذلك، فقد ترسخت القناعة لدى المواطنين، وخصوصا المتابعين لهذه القضية، بأن عددا من نواب المجلس قد تلوثت أيديهم بالمال الحرام، بصرف النظر عن مصدر هذا المال، سواء كان ذلك من الحكومة، أو ممن يعمل لإسقاطها، أو من بعض المتنفذين، أو من أي جهة كانت.
ومن هذا المنطلق، فإن الحكمة تقتضي ألا يستمر هذا المجلس، الذي من بين أعضائه عدد يوازي عدد أعضاء الحكومة تقريبا، وما يقارب نسبة %28 منه، قد حصلوا على أموال لا يستطيع أحد أن يبرر حصولهم عليها، إلا أن تكون رشوة مباشرة وبالجرم المشهود.
ومن المعلوم ان المدة المتبقية لهذا المجلس هي سنة ونصف السنة تقريبا، ولكن، ونحن أمام هذه المعضلة، لا يجوز أن نتغاضى عن هذه الجريمة انتظارا لأحكام القضاء التي لا تتعارض مطلقا وأياً كانت نتائجها – إدانة أو براءة – مع الحقيقة الساطعة بأن أولئك النواب قد تضخمت حساباتهم البنكية بصورة مفاجئة وبإيداعات مليونية نقدية، يتحداهم كل أفراد الشعب الكويتي أن يبينوا مصدرها إذا لم تكن رشوة من جهات ما، فهؤلاء النواب ورم سرطاني في جسد المجلس يجب استئصاله، ولن يتم ذلك إلا بحل المجلس والعودة لأصحاب الحق الشرعيين بإجراء انتخابات مبكرة، ووضع الناخبين أمام مسؤولياتهم التاريخية في هذا الظرف الدقيق.
أمامنا جريمة سياسية – جنائية، الحكم القضائي فيها متروك للقضاء، أما الحكم السياسي فهو للأمة التي سيكون من المستحيل عليها أن تتعايش مع نواب خانوا أمانتها وباعوا ثقتها بحفنة من الدنانير، ويستمرون في التشريع باسمها، والرقابة بمقتضى التفويض الذي منحتهم إياه.
***
أما غير ذلك، فإن اللوم يقع على الحكومة بالتقصير في هذا الأمر، وقد يطولها الاتهام في حال استمرار هذا المجلس، فيزداد اهتزازها وتكبر أزمتها، فتجر البلد إلى متاهات هو في غنى عنها، والخوف أيضا أن يتبنى النواب المتورطون في الإيداعات مواقف متطرفة ومتشددة من دون داع بهدف غسل مواقفهم التي وضعوا أنفسهم فيها بعد تلقي تلك الأموال، فيفقد المجلس بوصلته أكثر وأكثر.
ما جرى ليس فعلاً عادياً أو هيناً، فليكن القرار بمستواه.