قضية القبس اليوم
مكسب بطعم العلقم وسلوك يشق الصف
يوم حزين مقلق، شهدته حياتنا البرلمانية والسياسية أمس!
البلاد تغلي بقضايا عديدة لا نبالغ إذا وصفناها بأنها خطيرة، في اساسها مسألة الايداعات المليونية لعدد من النواب، التي تتخبط فيها البلاد بقوة زلزال عالي الدرجات من دون أن تجد مخرجاً معقولاً ومقبولاً يصون نزاهة المؤسسات وأعضائها، ويعيد ثقة الناس بها وبهم.
مقلق ان تعمد الحكومة الى اسقاط استجواب موجه لرئيسها بالتصويت، فيُزال عن جدول الأعمال لأن الأغلبية معها وليس لأنه فنّده وردّ على محاوره، أغلبية يفرضها التضامن بين الوزراء، انضم إليها فقط أقلية من النواب، ففي الأمر شبهة مصادرة لحق الأمة ومجلسها في الرقابة والمحاسبة.
وفي الوقت نفسه، فانه خيار غير حكيم سياسياً، لأنه يدفع المعارضة، ولو مرغمة، الى الشارع. رغم أن قوى لا يستهان بها، ونحن من ضمنها، تتحفظ عليه ولا تحبذه، لانه عند الوصول اليه، لا يعود أحد يعرف إلى أين يمكن أن يصل السقف. وأي اتجاه تسلكه الأحداث.
الصعود إلى المنصة لا يضعف رئيس الوزراء أو أي وزير إذا كان واثقاً من نهجه وسياسته وأدائه، ويعمل بوحي القسم، وموجبات الأمانة، وهذا بالفعل ما حصل مع سمو الشيخ ناصر المحمد نفسه، فالصعود المتكرر إلى المنصة لم يضعفه بل زاده ثقة وحضورا، إنما ما أضعفه يكمن في مكان آخر، وتحديداً في المواقف الخاطئة لحكومته وبعض وزرائه تجاه قضايا حيوية، بل مصيرية، تواجهها البلاد: الفساد، والرشوة، وشراء الذمم والمحسوبيات، وتضخم الحسابات والايداعات، وغياب التنمية، وانعدام المبادرات، حتى أصبحنا أمام حكومة مشلولة، فاقدة البوصلة، تتخبط على غير هدى ومعها البلاد والاقتصاد ومصالح العباد، وربما الأسوأ، والأكثر خطورة أنها بسلوكها هي بالذات، وليس بفعل أي فاعل آخر، أعطت الناس الانطباع والشبهات، انها لا تتورع عن إفساد بعض من أرسلتهم الأمة إلى مجلسها، كي يشرّ.عوا ويراقبوا ويحاسبوا ويصححوا باسمها، فتُشْتَرَى مواقفهم وأصواتهم.. والانكى، بأموال الشعب.
في المقابل، كان سلوك المعارضة البرلمانية أمس مخيّ.با، لأنه لم يكن في مستوى الأزمة، بل جاء تائهاً، متخبطاً، رغم أنها تتبنى قضية عادلة.
فلم يكن هناك مبرر منطقي، ولا حتى عملي، لينسحب النواب المعارضون أثناء تصويت المجلس على اقتراح كتلة العمل الوطني بندب نائبين إلى البنك المركزي للتحقيق في مسألة الإيداعات، على أمل أن يكشف التحقيق الراشي والمرتشي، فيعرف الشعب الكويتي الحقيقة، مع أن التحقيق سابقة أقدم عليها نواب مشهود لهم بالكفاءة، وعلو الكعب في التشريع، والحرص غير المحدود على النظام السياسي، ونظافة المؤسسات، كان بينهم البرلماني المميز حمد الجوعان، شفاه الله.
لكن هذه الفرصة ضاعت، للأسف، ايضاً، وكما ان التصويت اسقط الاستجواب، فان الانسحاب أسقط لجنة التحقيق، بينما كان الاقتراح سيحظى بأغلبية مريحة لو صوتوا إلى جانبه، وهو كان خياراً عملياً معقولاً في اليد في ظروف تقلص الخيارات الأخرى.
من أكبر الأخطاء في السياسة أن ينحصر السياسيون، أو يحصرون أنفسهم، أسرى خيار واحد. أو فرض أولوية طرف ورؤيته على أولويات الأطراف الأخرى ورؤاهم، بدلاً من النقاش والاتفاق على خيار، أو عدة خيارات، يدعمها الجميع وفق تصنيف أولوياتها وتدرجها المتفق عليه، فتضيع القضية المراد تحقيقها بالرغم من أنها قضية عامة، تحظى باجماع واسع، وتدعمها أكثر من قوة واتجاه وكتلة. بينما الحكمة والحنكة تقتضيان فتح كل الخيارات الممكنة، ولجنة التحقيق خيار أساسي، خصوصاً أمام الاحتمال الاكبر لوصول الاستجواب في هذا الشأن إلى طريق مسدود، كما هو متوقع قياساً على ما جرى أمس.
والسؤال المحزن: لماذا شق المعارضة، أو تحديدا شق معسكر الساعين إلى معرفة حقيقة الإيداعات المليونية ومحاسبة المتورطين فيها؟
فالأمة كلها تدعم الوصول إلى الحقيقة، عبر أي طريق كان، وتؤيد حاملي لوائه.
والقضية أكبر وأهم وأخطر من أن تخنق في الاستجواب أو لا شيء، أو أن يستأثر طرف بالسعي للمعالجة، ويبعد الآخرين أو يستبعدهم، إلا إذا أيدوا رؤيته وأسلوبه! والأرجح ان الانسحاب قد صب الماء في طاحونة الحكومة.
أضف تعليق