حسن مصطفى الموسوي
الطريق الأمثل لمواجهة الغوغائيين
الوضع السياسي المتأزم يتفاقم مثلما توقعنا، وبانت الأجندة الخاصة على حقيقتها، قلنا سابقا إن أجندة كتلة الضد ليست إسقاط رئيس الوزراء ولا الإصلاح ولا محاربة الفساد، فهي تستعمل هذه الشعارات كغطاء لأهدافها الحقيقية، وقد بانت هذه الحقيقة في يوم الأربعاء الأسود.
ولعل أبلغ شاهد على ما نقول هو عبارة “لئن عبثتم بحقوقنا لنعبث بحقوقكم”، وطبعا “الحقوق” تعني هنا مطالبهم وأهدافهم التي فشلوا في تحقيقها سواء عبر أدواتهم الدستورية في المجلس أو بفرضها على سمو الأمير، فأرادوا فرضها عبر سياسة الأمر الواقع والغوغاء والتخريب.
ولذلك تجلت حكمة صاحب السمو- حفظه الله- بإصراره على عدم حل أي من المجلسين في هذا الوقت بالذات لأن إقدامه على أي من هاتين الخطوتين سيعد رضوخا لمنهج التخريب وسياسة فرض الأمر الواقع، وتشجيعا لهؤلاء الغوغائيون على تكرار فعلتهم الحمقاء- التي ما زالوا يفتخرون بها- مجددا عندما لا يتحقق لهم مطلب معين.
إنه لمن السذاجة أن يصدق أحد أن هدف كتلة الضد هو استبدال رئيس الوزراء لمحاربة الفساد وحماية الدستور لأن “فاقد الشيء لا يعطيه”، فهذه ليست معارضة أحمد الخطيب وجاسم القطامي وناصر صرخوه وعبدالمحسن جمال، بل معارضة جلهم من خريجي الفرعيات الذين انتهكوا الدستور والقانون مرارا وتكرارا إضافة إلى المتطرفين الذين يريدون فرض معتقدهم التكفيري على بقية فئات المجتمع رغما عن الدستور الذي كفل الحريات، وخاصة حرية الاعتقاد.
ومن السذاجة تصديق أن من تعوّد لسنوات على المعاملات غير القانونية و”الواسطات” والتنفيع، أنه يريد نهجا جديدا خاليا من الفساد والمحسوبيات التي أدمن عليها، ومن السذاجة تصديق أن من استخدم المال العام لتصفية حساباته مع الحكومة عبر تشجيع الكوادر العبثية هو من يريد حماية المال العام اليوم.
فما يجري حاليا من أحداث أعقد من أن تفهم وتقرأ بمجرد النظر إلى ما يجري على السطح لأن لها أبعادا اجتماعية وسياسية عميقة تحدث عنها بإسهاب الباحث ناصر الفضالة في دراسة نشرتها إحدى الصحف في سبتمبر الماضي، ومن الصعب أيضا فصلها عما يجري في المنطقة من صراع إقليمي تتشابك فيه الخطوط والأجندات والضرب تحت الحزام.
ومع اعتقادنا بأهمية التصدي لهؤلاء المؤزمين، فإن ذلك لا يكون فقط بتسليط الضوء على أفعالهم الغوغائية بل يكون أيضا بإصلاح الحكومة لنفسها وانتقالها من حكومة تخبط وردات فعل إلى حكومة مبادرة ذات نهج واضح.
أدرك أن هناك خللا كبيرا في الدستور والمتمثل بوجود الحكومة كأقلية في البرلمان على عكس بقية الديمقراطيات المتقدمة، ولذلك كانت الحكومات المتعاقبة تتدخل في الانتخابات وتغدق على بعض الأعضاء بالمعاملات من أجل تأمين كتلة داعمة لها في المجلس، لكن هذه المعادلة لم تعد تنفع اليوم بعد أن تبدل المشهد السياسي بتحول مدللي الأمس إلى معارضي اليوم نتيجة لأبعاد اجتماعية بالدرجة الأولى.
ولذلك بات من الضروري أن تلجأ الحكومة إلى تبديل نوعية الكتلة الداعمة لها بالمجلس عبر أخذ زمام المبادرة والدفع نحو إصلاح حقيقي بعيد عن المحسوبيات، ومحاولة استرضاء هذا الطرف أو ذاك لأن هذه السياسة أثبتت فشلها، فالإقدام نحو الإصلاح الحقيقي سيجذب الكتلة غير المنتفعة، وقد يجذب أغلبية الجمهور العام، وهذا هو الأهم، لكن السير على هذا الطريق لن يتأتى مع أسرة منقسمة ينظر كل طرف فيها إلى مصالحه الشخصية لا إلى المصلحة العامة لمستقبل الأسرة ومستقبل البلد.
أدرك أن هذه المهمة صعبة جدا لأن فيها تغييرا لمسار دام خمسين سنة، لكن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، وأرجو ألا تأتي هذه الخطوة متأخرة جدا في ظل ما يجري حولنا من أزمات.
أضف تعليق