جملة تساؤلات “محيرة” طرحها الكاتب د.محمد عبدالمحسن المقاطع في مقاله اليوم، أبرزها: ماذا تريد “الأسرة” من الصخب الدعائي المتزايد؟
المقاطع ذكر أيضا أن الناس لم يعودوا يخافون التضحية او الموت من أجل اصلاح مسيرة وطن ووقف فساد السلطات فيه، هذا ليس استقراء لتاريخ بل هو واقع الكويت اليوم.. المقال مليء بما يستحق التأمل.
هنا المقال والرأي لكم:
الحديث لم يعد همسا … ولاوزن لمن قبض ثمنا
محمد عبدالمحسن المقاطع
ماذا تريد الحكومة، أو قل الأسرة، من حالة الصخب الدعائي المتزايد.
– صحف مداد أقلامها أنها مأجورة وفاسدة وملوثة بمال غير مشروع وعزف طائفي أو فئوي بغيض.
– حملة تواقيع من الدواوين، وكأنّ حب الكويتيين للأسرة موضع شك، رغم أن ما هو على المحك موضوع محدد هو انتهاك الدستور وعدم صلاحية رئيس الوزراء دستوريا وسياسيا وشعبيا.
– اجتماع لمؤيدي الحكومة في ساحة الارادة تجمع جل الداعين اليه إما مندفعين في تأييد الحكومة وإما من المستفيدين مباشرة أو بشكل غير مباشر من الحكومة، علما بان سقوط الحكومات يقاس بالمعارضة لا بالتأييد.
– التخويف والتهديد والوعيد بالسجن أو منع ممارسة الحرية بالقوة، فالناس لم يعودوا يخافون التضحية او الموت من أجل اصلاح مسيرة وطن ووقف فساد السلطات فيه، هذا ليس استقراء لتاريخ بل هو واقع الكويت اليوم.
ان حديث الناس حول مطلبهم الواسع بالحفاظ على الدستور واقالة رئيس الوزراء أو استقالته لم تعد همسا، بل حديثاً علنياً تجلجل بكلماته دواوين الكويت، أما من قبض ثمناً لرأيه أو موقفه أو تصريحاته فلا قيمة له، لأنه باع الضمير وقبله الكرامة، وهو مستعد ليبيع ما لديه لمن يزيد له في الثمن نقدا أو منصبا أو عطاءات مباشرة أو غير مباشرة، ولو دققنا لما كنا بحاجة الى طول تفكير لادراك هذه الحقيقة.
ان الناس كانوا يتهامسون عن حجم السرقات وعن الفساد وعن تورط أعضاء في مجلس الأمة، وعن صفقات لبعض الوزراء، وعن ضلوع أبناء الأسرة، لكنهم اليوم لم يعودوا يتحدثون همسا، فالفساد نخر في عظم البلد وكيانه، ولم يعد الناس يحتملون أن يروا بلدهم يتهاوى أو أن يصبح أبناؤهم بلا تعليم، بلا وظيفة، بلا سكن، بلا عدالة، والأخطر بلا وطن، ربما كان الناس يجاملون وينتظرون، وهم يتألمون، لكنهم اليوم بدأوا يتكلمون جهارا نهارا في بيوتهم، يتكلمون نساء ورجالا، شبابا وأطفالا، في مقار عملهم يتحدثون، وفي دواوينهم يطرحون ويناقشون، بل حتى في الخارج يتساءلون ويطالبون، فلم يعد فساد البلد يحتمل الحديث همسا، ولم يعد المال السياسي الفاسد حوارا هامسا بين شخصين، بل حديث الجميع، ولم يعد الحديث عن المتمصلحين من الأوضاع وعن البطانة الفاسدة ـــ التي تزيد يوما تلو الآخر في ثمنها أو تقلب الحقائق لصاحب القرار، أو تتمادى بالتكلم باسم السلطة وقوة المنصب وسطوة الحكومة ـــ لدى الناس حديثاً هامساً، بل أصواتا مدوية عالية واضحة.
لقد أثبت حديث الناس، الذي لم يعد همسا اطلاقا، أن من يراهن على المعلومات المغلوطة للبطانة الفاسدة يسير عكس عجلة التاريخ، وأن من يراهن على ملل الناس لم يدرك الحقيقة، وأن من يراهن على أن اغداق المال على الناس يغير مطالبهم فهو يعيش وهما، وأن من يراهن على خوف الناس من السلطة لم يفقه أن الزمن قد تغير، وأن من يراهن على لغة التهديد والترهيب لم يأخذ العبر ويستوعب مجريات الأحداث، وأن من يراهن على استخدام القانون والقضاء فاته أنهما عليه وليسا معه، وإن بشّرته بطانته بغير ذلك، وأن من يراهن على ملاحقات الداخلية واحالات النيابة أنها حلا ومخرجا فنظره قاصر وتفكيره محدود.
ان حديث الناس لم يعد همسا، وكلما مضى يوم زاد حديث الناس علوّا وظهورا، وبلغ مداه أسماع البعيد قبل القريب، والأصم قبل الصحيح، فوضع البلد لم يعد يحتمل، ولن تفي به أحاديث خلف أبواب مغلقة، ولا همس الناصحين، وقد أبلغ الناس رسالتهم ورأيهم الصادق المجرد بلا ثمن، ان الكويت لا يمكن أن تُختزل في رجل واحد هو رئيس الوزراء، الذي صار وجوده مكلفا شعبيا وسياسيا، بل ودستوريا.
اللهم اني بلّغت.
أضف تعليق