أقلامهم

جاسم بودي يدعو جاسم الخرافي إلى عدم الترشح للانتخابات المقبلة ويقول له: أخذ منك الكرسي جهدك وعافيتك وأخذت منه مرضاة الله والكويت

جاسم الخرافي… لا تترشح


جاسم بودي


دار الكلام عن إعادة ترشيح رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي نفسه للانتخابات المقبلة أو عدم ترشيحه. بعض من في الموالاة والمعارضة ربط جزءا من التصعيد السياسي الراهن بالصراع على كرسي الرئاسة. بعضهم تحدث عن الأداء العام. بعضهم رأى أن مواصفات الرئيس الهادئ لا تتناسب مع صخب المرحلة وضجيجها. بعضهم هاجمه وبعضهم تمنى عليه ألا يتخذ قرارا بعدم الترشح…
ومن موقعي في الشأنين، الإعلامي الخاص والسياسي العام، ونظرا لقربي العائلي والشخصي والإنساني من الخرافي، أقول له: يا «بو عبدالمحسن» لا تترشح في الانتخابات المقبلة لعضوية المجلس وبالتالي لرئاسته.
أعرفك جيدا كما أعرف نفسي. رجل يعطي المناصب ولا يأخذ منها. ما زادتك الوكالة الشعبية إلا تواضعا وإصرارا على خدمة البلد والناس، بل ما كانت المناصب أساسا بالنسبة إليك معبرا للوصول إلى أي غاية اللهم إلا بذل العطاء لتحقيق أهداف واضحة محددة غير ملتبسة.
رجل تشبه طبيعة الكويت. هدوء، تسامح، رقي في لغة الخطاب، خلاف بلا خصومة وخصومة بلا فجور وتصالح بلا ضغينة أو حقد. يدك ممدودة دائما للسلام حتى على اليد المليئة بالشوك بغية أذيتك. مرونة غير مسبوقة في استيعاب الجميع والاستماع إلى الجميع ومحاولة دفع الجميع إلى طريق التعاون… وصلابة لا تهتز دفاعا عن الاستقرار والثوابت التشريعية والدستورية.
كنت تعلم منذ اليوم الأول أن الحراك السياسي في دولة مثل الكويت تعيش نعم الحريات والديموقراطية وتتفيأ بظل الدستور هو حراك قوي وفاعل وهادر وصاخب أحيانا وأنك لابد أن تجد نفسك في عين العواصف. هل تفاجأت بحجم الانحراف عن الممارسة الديموقراطية السليمة وهبوط اللغة السياسية إلى منحدر التجريح والتخوين والتصنيف؟ هل أتعبك سماع عبارات الشتم والقذف والتعيير بالأنساب ونبش القبور والتطرق إلى الآباء والأجداد؟ هل هالك منظر المشرعين وهم يتحولون إلى لاعبي ملاكمة ومصارعة؟ وهل ذرفت دمعة وهم يقتحمون المجلس ويصيبون الحرس والدستور بجروح؟
بالتأكيد فاجأك ذلك كله وأتعبك وهالك، لكن القلق الأكبر لديك كان انفلات الغرائز الطائفية والمذهبية والقبلية وعدم اتقاء البعض مصلحة الكويت وتفضيله السلوك النحري والانتحاري في لحظة لا يحتاج الاشتعال فيها حتى إلى عود كبريت.
كنت تواجه العواصف بابتسامتك الشهيرة حرصا على الثوابت والوحدة الوطنية والاجتماعية والدينية وكانت الاتهامات تنهمر عليك من كل حدب وصوب. بعضهم ينتقدك اقتناعا، وبعضهم بالوكالة عن وزير أو شيخ، وبعضهم ينتفض أو يهدأ حسب حركة عصا «المايسترو».
لم تخطئ ؟ بلى أخطأت وجل من لا يخطئ، والخطأ سمة ملازمة لمن يعمل بكد وجد. إنما هل كانت عوامل التعاون المنشود والتآزر المخلص والتنسيق الفاعل موجودة من غالبية أعضاء السلطتين للحد من الأخطاء إن وجدت أم أن العكس صحيح؟ وهل تعلق الانتقاد بمسائل جوهرية أم أنه ركز على الشكليات؟ وهل كانت المصالح أو المبادئ هي السبب؟
أخذ الكرسي منك ومن جهدك ومن صحتك ومن عافيتك ومن وقت عائلتك، وحسبك أنك أخذت منه مرضاة الله والكويت وراحة البال والضمير. كم هاجموك وكم صرفوا من الوقت والجهد والمال لخلق بيئة معادية لك، ولو كان النقد بناء ومستندا إلى معطيات قوية لأسعدك الأمر لأن من كان في موقعك يحتاج أكثر من غيره إلى التشاور والتنبيه والتحذير والنصيحة الصادقة، إنما «الراجمات» التي تنطلق في اتجاهك بعيدة عن هذه الأهداف… حتى إذا رفضت الرسميات وفتح صالة الشرف في المطار وخرجت مع المسافرين العاديين لتحتضن حفيدك الذي يستقبلك ما كنت لتسلم من القصف الإعلامي.
ثم إنك من أكثر الذين يؤمنون بخيارات الناس وتداول السلطة وتجديد شبابها، ودائما كنت تتطلع إلى تسليم الأمانة لجيل متعلم متحضر يملك حيوية الشباب ويشب في مدرسة الخبرة متعلما الحكمة من الحكماء والصبر من الصابرين والتعقل من العقلاء. لست كغيرك من الذين يرفعون شعارات ويمارسون عكسها في حركتهم السياسية. لم يكن كرسي الرئاسة هو محور حياتك وغاية أمنياتك. لم، ولن يكون، هو الدافع الذي يجعلك تحرق الأخضر واليابس من أجل الوصول اليه فتخالف الدستور وأنت تدعي قدسيته كما يفعل غيرك وتنقل قبة البرلمان إلى الشوارع كما يفعل غيرك وتتنقل بين الغرائز والخلافات مستفيدا من اشتعالها… كما يفعل غيرك.
وأنت لن تغادر المجلس إلى المنزل، فالعمل الوطني العام أكبر بكثير من كراسي البرلمان والحكومة، وتحديدا في الكويت التي تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى الحكماء في كل المواقع الوطنية وإلى أصحاب الخبرات القادرين على نقلها من مرحلة إلى أخرى وجعلها قبلة الشرق والغرب على مختلف الصعد… ومن تدرج مثلك في مراتب الخاص والعام محققا نجاحات لا يترجل وهو في عز العطاء بل يتولى مراتب وطنية كبيرة بعقلية الحكيم والخبير.
كفاك يا بو عبدالمحسن ترقيع ما لا يترقع. كفاك تحمل ما لا يتحمل. فلا أنت بقادر على مقارعة بعض الجهلاء السفهاء الذين يتسيدون المشهد السياسي ولا أنت بقادر على تحمل وزن ثوب ليس ثوبك ولا الاستمرار في دور ليس دورك.
أعلم أنك عندما تقرأ المقال بحثا عن دوافع أخرى لم أذكرها… قد تقول لمن حولك «تهقون اشعنده بو مرزوق».
وأنا أقول إن بو مرزوق وغالبية أهل الكويت يحبونك ويتمنون لك الراحة والسعادة وهناء البال والمزيد من العطاء… والابتسام.