أقلامهم

حمد نايف العنزي: من السذاجة التصور بأن وجود ناصر المحمد هو سبب التخلف الذي نعيشه

حمد نايف العنزي
نتظروا… سوف ترون!
تستطيع أن تقول عن أداء رئيس الوزراء ما تشاء، ولن يلومك أحد، فحكوماته سيئة، وأقل من مستوى الطموح، فلا إنجازات لها تستحق الذكر، وتطبيقها للقانون انتقائي بشكل فج، وتتلاعب بالدستور وتفسر مواده على هواها، وتشتري ولاءات النواب بالمعاملات والتعيينات والمشاريع والإيداعات، وأخيرا اختارت المطاعات والرصاص المطاطي كوسيلة للتفاهم مع منتقديها!
إذن، فمطالبة البعض برحيل ناصر المحمد مستحقة ومشروعة، والأمر بطبيعة الحال مرهون بيد صاحب السمو لا ينازعه في ذلك أحد، لكن، من حق المعارضين أن يعبروا عن رأيهم في عدم رغبتهم باستمرار الرئيس ما داموا يرون أنه لا يقدم جديدا في كل مرة يحصل فيها على الثقة الأميرية، بل إن الأوضاع السياسية تزداد سوءا وتأزيما مع كل تشكيل وزاري يقوم به، وكلما أرادوا حدوث تغيير إيجابي حصلوا على خيبات أمل جديدة تضاف إلى رصيد الخيبات المتخم في عهده!
كل هذا مفهوم لدي، وأرى أن رحيل المحمد أفضل من بقائه، وإن كنت في شك كبير من حدوث أي تغيير فعلي في النهج والأسلوب وطريقة إدارة الأمور لمن سيخلفه، لأننا سائرون على هذا النهج منذ عهد بعيد وإن كان بدرجة أقل، لذلك، أظن أن التغيير- إن حدث- فإن أثره سيكون طفيفا ولا يتناسب مع حجم الآمال والطموحات، لكنه على أي حال سيمنح الفرصة لشخص آخر ربما يكون أكثر قدرة على العطاء، أقول ربما، وإن كنت في شك كبير في هذه الـ”ربما”!
مشكلتنا الكبرى في رأيي، ليست في مجلس الوزراء ولا في رئيسها، وتستطيع أن تضع عشرة مجالس جديدة بعشرة رؤساء جدد وأراهنك أن التغيير الإيجابي لن يتجاوز في أفضل حالاته 10%، لأن العلة لا تكمن- كما يتصور الكثيرون- في رأس الهرم فقط بل في أساساته وفي البناء بأكمله، يكمن في المنظومة الإدارية بأسرها، بدءا من المسؤول الصغير وانتهاءً بالمسؤول الكبير الذي يعشعش في منصبه منذ 30 عاما أو أكثر، يتحول بعدها إلى مستشار “خيبة وتخلف” بمكافأة تفوق راتبه التقاعدي- هذا إن حدث وتقاعد- فالمعهود انتقاله من الكرسي إلى القبر فورا!
دوائرنا الحكومية تعج بالمخالفات والتجاوزات التي يقوم بها الموظف الصغير قبل الكبير، فالإهمال والكسل واللامبالاة والتنفع من المنصب سمة عامة للجميع إلا من رحم ربك، والأغلبية لا تجد فرصة للشفط والبلع من المال الحكومي السائب إلا انتهزتها، وأي رئيس وزراء- مهما بلغ إخلاصه وتفانيه- لا يستطيع متابعة كل إدارة من إدارات الحكومة، فالأمر في الآخر مرهون بضمير وأخلاق ووعي مجتمعي، وبرقابة ومتابعة لكل مسؤول عن إدارته، وما دام الجميع لا يبالي ولا يكترث، فلا تتوقع الكثير ممن تضعه في رئاسة الحكومة، فاليد الواحدة لا تصفق مهما بلغت قوتها ورغبتها في التصفيق!
كما أن الضغوط التي يواجهها رئيس الوزراء في ظل وضعنا الحالي تجعل مهمته في النجاح مستحيلة، فالساحة السياسية اليوم أشبه بالغابة، وهناك أسود وذئاب وسباع تتربص به من كل جانب، كل منها يريد نصيبه من الفريسة: التجار ومصالحهم، والنواب “القبيضة” الذين يطلبون ثمنا لمواقفهم، والنواب المعارضون الذين يستخدمون سلاح التهديد بالاستجواب لنيل مطالبهم، ويشاركهم نفس السلاح نواب المذهبية والطائفية الذين يسببون له الصداع بتوافه اهتماماتهم، يضاف إلى كل ذلك عدد لا ينتهي من الوزراء الفاشلين الذين لا همّ لهم سوى نهب الوزارة بأسرع ما يمكن وتنفيع أهلهم وجماعتهم، ناهيك عن المستشارين “العباقرة” الذين يحيطون به و”يجيبون له العيد باستشاراتهم”!
إذن فالمهمة ليست سهلة كما يتصور البعض، وأي رئيس جديد سيصعب عليه التعامل مع هكذا وضع، لكن، مع كل هذا، التغيير مطلب منطقي ومعقول، لكن من السذاجة التصور بأن وجود ناصر المحمد هو سبب التخلف الذي نعيشه، وأن الفساد مقترن بوجوده فقط، وأنه برحيله ستزدهر الكويت وتحل كل مشاكلها ولا يبقى أثر للفساد، لأنه في حقيقة الأمر يتحمل جزءا يسيرا من الخلل الحاصل، أما الجزء الأكبر فهو مجتمعي، أساسه يكمن في قلة الوعي وانعدام الضمير وسيادة المصلحة والتعصب الطائفي والقبلي والفئوي، وهي ما يجب أن نقول لها “ارحل” قبل أن نقول لناصر المحمد أو لأي رئيس يأتي من بعده، وهو ما أتوقعه بشدة، وانتظروا… سوف ترون!