جاسم بودي
شيء ما يجب أن يتغير
بعيدا من تقديم القلب على العقل واللسان على التفكير نقول إن «شيئا ما» تغير في الكويت وإن «شيئا ما» يجب أن يتغير.
ما حصل في الأيام الماضية لا يشبه الكويت لا في السلطة ولا في المعارضة. ودائما دائما يلد التطرف تطرفا، ودائما دائما يلتقي المؤزمون في نهاية المطاف حتى لو كانوا مختلفين، ودائما دائما تدفع الكويت ونظامها ودستورها ومؤسساتها الثمن.
لن ندخل في كل التفاصيل، لا في خطايا الحكومات ولا في اخطاء «المعارضات» التي صارت خطايا في الايام الاخيرة. فعندما ينتقل الخلاف من المؤسسات الى الشارع يعتبر الشارع نفسه وصيا بطريقة أو باخرى على عمل المؤسسات. يحضرها إليه بدل أن يذهب اليها معتبرا انها انحرفت عن مسارها… وفي الشارع لا حسيب ولا رقيب اللهم الا ارادة الشباب الذين اظهرت غالبيتهم وعيا استثنائيا بينما جنحت قلة الى منطقة التوتر العالي بفعل الشحنات المباشرة من «محطات» التوليد المعروفة – المجهولة.
لم يكن الشارع يقود الكويت يوما وهذا ابرز ما تغير. كان الشارع جزءا من منظومة دستورية سياسية ابوابها مفتوحة له وغير موصدة. يعبر عن نفسه بالمشاركة السياسية فيختار ممثليه و«يقيلهم» كل اربع سنوات عبر صناديق الاقتراع، وفي حال خاب امله ولاحظ انسدادا في الافق كانت سلطته الرابعة نافذة تعبيرية له، اضافة الى قضاء منصف عادل وقيادة سياسية على تماس مباشر مع الناس في ديوانها أو دواوينهم…
ومع ذلك زحف الشارع على المؤسسات في الايام الأخيرة وأصبح واضحا ان «ما كان» لا يكفي وان خطوات لابد منها يجب أن تتخذ حتى نعيد الشارع الى المؤسسات.
باختصار، الكويت دولة مؤسسات نظامها ديموقراطي تعددي دستوري الا انها مكبلة بعقدة القرارات الفردية في مختلف مواقع السلطة. حريات كثيرة وديموقراطية اقل، بمعنى ان القرارات لم تنتقل من الإطار الفردي الى الإطار المؤسساتي ولم توضع معايير تنفيذية لاستكمال تنظيم هذا الامر… وان وضعت فتجاوزها يتم حتى من أكثر المتشدقين بالتزام اللوائح والمعايير.
طالما بقيت الكويت أسيرة القرار الفردي فالازمات ستبقى وتتطور. يقال للوزير علنا ان يأخذ القرار الذي يراه مناسبا لأداء وزارته ثم تجد «مؤسسة» كاملة «تمون» عليه من رؤسائه أو زملائه أو نواب قبيلته او… او، ينتخبونه أو يطلبون فزعته أو يقولون له ان الآخرين سيسجلون نقاطا ان هو قرر، فيتراجع هنا أو يرضى هناك. يتشدد هنا أو يتساهل هناك. والامر نفسه ينطبق على كل مواقع السلطة بما فيها مجلس الامة الذي ما زال السجال دائرا فيه حول اللائحة وتطبيقاتها بعدما تجاوز العقد الخامس من عمره… وصولا الى الوكيل أو الوكيل المساعد أو الموظف العادي.
الكويت فيها عادات وتقاليد وقيم وعلاقات اجتماعية وإرث اقتصادي وسياسي قبل الدستور. والدستور وضع لإحداث نقلة أساسية في اتجاه نظام المؤسسات وكان جسرا لتطوير النظام السياسي، وبما ان لا قدسية للدستور فلا قدسية في المقابل لأي فرد في أي موقع في السلطة خصوصا اولئك الذين يعتمدون الفردية أساسا لقراراتهم.
انتهاء فردية القرار في مختلف مواقع السلطة الخطوة الاولى لاعادة الشارع الى المؤسسات. وانتقال القرار الى الاطار المؤسسي بحيث يكون القانون هو الفيصل الوحيد ومن دون استثناءات الخطوة الاولى لاستقرار النظام الذي اتفق عليه جميع اهل الكويت وفي قلبهم اسرة الصباح، واستقرار الحياة السياسية لفترة معقولة من الوقت هو الخطوة الضرورية لإعادة البحث في تطوير النظام السياسي تحت سقف الاجماع لا سقف الفرقة. سقف التقارب لا سقف التباعد. سقف التفكير المشترك في زيادة مشاركة الجميع وتحديدا عنصر الشباب في السلطة لا سقف الاتهامات المتبادلة بالفساد وانتهاك القانون.
شيء ما تغير وأظهر أن الأزمات ليست بعيدة عنا وان الربيع الذي نتغنى به سهل التحول الى خريف موحش أو شتاء طويل، وشيء ما يجب ان يتغير بما في ذلك بدء التفكير الجدي التوافقي الوطني العام بتطوير النظام السياسي لزيادة حجم المشاركة في السلطة واتساع أطر المراقبة والمحاسبة. بمعنى آخر لنلتزم بالدستور قبل تطويره ونطبق القوانين قبل تعديلها ونحترم التشريعات قبل تغييرها، لكن مفتاح ذلك كله هو انتهاء القرار الفردي… وإذا ضاع المفتاح ضاع البلد.
أضف تعليق