أقلامهم

عدنان فرزات : الشعب السوري يراهن على رحمة الله

فخ الجهاد

عدنان فرزات
يراهن العالم حول سوريا على كل شيء، ويراهن الشعب على رحمة الله!
ولكن في كل الأحوال، فإن الذي سيحسم المسألة ليس «جمعة إعلان الجهاد» التي نادت إليها أصوات ربما أكثرها على الإنترنت وغير معروفة، وهذا يجعلنا نتساءل أكثر، من وراء إعلان الجهاد الذي سيكون انتحاريا على الثورة فيما لو أن أحدا صدقه، فهناك تجارب سابقة أدت إلى إجهاض الحراك السياسي في سوريا بعد إعلان الجهاد.
في الثمانينات صعد أشخاص إلى المآذن في مدينة حماة السورية، ينادون: «حي على الجهاد»، وهرع الشبان إلى الشوارع، وقيل وقتها إنهم وجدوا أسلحة ملقاة في الطرقات، فحملوها، ولكنهم أبيدوا بقوة سلاح أكبر من الجيش آنذاك، فتحدث بعضهم وقتها عن أن المسألة عبارة عن كمين، ومن لم يقتل من حاملي السلاح، وجدوا علامات دهان على كفيه، حيث تم صبغ البواريد الملقاة في الشوارع، بمادة تدمغ اليدين، ليسهل عند التفتيش العثور على الأشخاص الذين حملوا هذه البواريد «الفخ».
حسنا.. لدي صديق يدعى جورج هو من المعارضين، كيف سيجاهد هذا الرجل؟ ومن أين سنأتي له بالسيف والدرع؟!.. بل كيف ستنسجم الكلمة مع أسماعنا، وقد ارتبطت بأذهاننا بأنها بين عدوين وليس بين شعب واحد؟ والمشكلة اليوم، ان بعض الذين اقترفوا خطأ هذه الكلمة في حماة الثمانينات، هم أنفسهم من يروّج لهذا المصطلح، فقد أعلنوا أن الجمعة السابقة هي الجمعة السابقة على الجهاد!
في بداية قيام الثورة في سوريا، كثيرون تحججوا بأنهم لن يشاركوا فيها كونها ثورة لا تشمل كل فئات الناس، فهي تخرج من المساجد، ولكن الكاتب العلماني الساخر خطيب بدلة، قال لهم على سبيل الدعابة إذا كانت هذه هي مشكلتكم، فتعالوا أخرج معكم من أي «خمارة»، وأمضى المشاركون العلمانيون في التظاهرات وقتا طويلا قبل أن يقنعوا الآخرين والعالم بأن ثورتهم عامة، وتشمل الجميع، وأن خروج هذه الثورات من المساجد لكون دور العبادة هي المكان الوحيد الذي يشهد تجمعا تلقائيا، وقد تنبه الى ذلك البوطي من غير قصد حين قال إن بعض هؤلاء الذين في المساجد لا يعرف السجود، وإذا كان اراد من هذه الكلمة ان يعبر عن فكرته الموالية للنظام، فإن هذه العبارة لها مدلول آخر، لو يعلمه البوطي لما قالها، فكلامه يعني أنهم اكتشفوا فعلا أناسا ليسوا بالضرورة ملتزمين بالصلاة، ولكنهم ربما يجدون فرصة للخروج في تظاهرات للتعبير عن رغبتهم في الحرية وإسقاط النظام، ولذلك حين استدل الناس على الساحات العامة لم يعودوا يفكرون في الخروج من المساجد، بل لم يعد يوم الجمعة وحده فقط هو الرمز لهذه التظاهرات، فهم يخرجون في أوقات مختلفة.
بكل الأحوال فإن العالم يراهن ويضع كل الاحتمالات والسيناريوهات، اليوم للشأن السوري، ولكن اظن ان الرهان غير المتوقع هو الذي سيحسم المشكلة القائمة في سوريا، ولأنه غير متوقع، يصعب التكهن بماهيته، وإلا لأصبح متوقعاً!