عبدالحليم ودموع صديقي في عرسنا الديموقراطي
ذعار الرشيدي
صديقي دخل في قصة حب عنيفة مع شابة حسناء (عيناها زرقاوان وشعرها أشقر) وهام بها حبّا حتى ملكت عليه شغاف قلبه، وجعلته يهيم بها حبّا، حتى أنه كان على استعداد لأن يكتب اسمها على كل «طوفة محول ومدرسة في كل أنحاء الكويت».
وبدا له أنها تبادله ذات الحب وعاش معها قصة حب والذي كان حبّا «من طرف واحد ونصف» وبعد 6 أشهر من العلاقة قرر صديقي أن يبيع الدنيا ويقدم على الزواج من حبيبته زرقاء العينين، ولكنه ما ان فاتحها بالموضوع جديّا حتى قالت له «بصراحة أنا كنت أتسلى لم أتوقع أن الموضوع سيذهب الى المأذون» .
ردها انغرز في قلب صديقي كسكين جزار متمرّس وأصاب حبه في مقتل محطما آماله في قصة حب اعتقد انها ستنتهي كما رسمها في «تبات ونبات»، يروي صديقي انه خرج يومها بسيارته ليهيم في الشوارع على غير هدى وصوت المسجل يصدح بأغنية عبدالحليم حافظ «أي دمعة حزن لا» وكانت كلمات الأغنية تتوالى وتصب في أذنيه كأنها تصب الملح على جرح صدمته «سقيته من حناني.. وبنيت معاه أماني.. وقلت ياريت يا دنيا.. تديني عمر تاني.. وصحيت من العذاب.. ولقيت الفرح غاب» .
وبينما دموعه تغالب رؤيته لمعالم الطريق والحزن يمزق روحه فوجئ بظهور طفل أمامه وسط الطريق ظهر من العدم ليصطدم به ويقذف به 12 مترا أمامه قبل أن يتمكن من التوقف بسيارته، صديقي الذي كان بين صدمة حبيبته واصطدامه بالطفل، «تلخبطت كل الأحاسيس في جوفه بين مجروح وخائف ومصدوم» فترجّل من سيارته ليطمئن على الطفل الصغير ولكنه ما إن اقترب منه حتى فوجئ بالطفل يقف ويركض داخلا الى منزل قريب، تمالك صديقي نفسه واستجمع ما تبقى له من قوة، وتوجه الى المنزل الذي لجأ إليه الصبي وطرق الباب ليخرج له صاحبه، وأبلغه صديقي بالواقعة خشية أن يكون مكروها قد أصاب الطفل، إلا أن صاحب المنزل قال له: «يا أستاذ ولا يهمك هذا طفل شقي وما فيه إلا العافية.. توكل على الله».
ذلك الاصطدام غير المتوقع أعاد الى صديقي وعيه من الصدمة العاطفية التي استنزفت مشاعره ودموعه وكادت تودي به الى «ستين ألف داهية» بسبب عينين زرقاوين، يقول صديقي لولا ظهور ذلك الصبي لربما كنت لاأزال أسير جرح حب غبي، ولكن الاصطدام بالصبي أعاد لي إدراكي.
صديقي الذي لولا الحادث العرضي الذي أعاد اليه إدراكه وحسّه الطبيعي بالأشياء، لربما كان ليس الآن: «مجنون العيون الزرق» أو «مجنون الشمحوطة الشقراء»، أحيانا نحن بالفعل بحاجة الى صدمة عرضية لنخرج من دائرة الوهم التي نعيشها حتى نرى بعدها الأشياء على حقيقتها الطبيعية.
وأعتقد اننا بحاجة اليوم الى صدمة تعيدنا الى صوابنا، لنعرف اننا يوم الخميس لسنا مدعوين لعرس ديموقراطي كما يصور لنا الجميع، فعروسنا التي يدعي جميع المرشحين انهم يخطبون ودها تعلو وجهها تجاعيد الفساد وبشرتها أصابها جفاف توقف التنمية، عروسنا التي سيذهب الناخبون للشهادة في ورقة الاقتراع على عرسها لا يحبها إلا القلة، وأغلب هؤلاء القلة لن يصلوا الى البرلمان كما نحلم ونأمل، بعضهم يحجرها على ابن عمه وبعض الناخبين سيقدمها قربانا لابن طائفته وآخرون سيقدمونها عروسا مغصوبة على مجموعة من التجار، نحن بحاجة الى صدمة حقيقية لنعرف ان عرسنا الديموقراطي ناقص واننا سنكون شركاء في جريمة إيصال من لا يستحق ولكن هذه هي الديموقراطية… ديموقراطيتنا المفصلة على مقاس عقليتنا.
توضيح الواضح: صديقي صاحب القصة في الـ 58 من عمره الآن، و«الشمحوطة الشقراء» بحسب ما فهمت عمرها الآن يقترب من الـ 55 عاما، وأما الصبي فأعتقد انه الآن في الـ 42 من عمره، فيومها كان عمره 12 عاما فقط.
أضف تعليق