أقلامهم

نادين البدير : منافق… خائف… خائن… محايد من يتكلم إذا ؟

منافق… خائف… خائن… محايد 

نادين البدير
حيادي. لا رأي لك مهما كان الظرف. سلبي. تلتزم الصمت وتستكين ماشياً ملتصقاً بأي جدار يصادفك كأفضل وسائل الحماية. وتتعذر. تبرر بأنك مشغول أو غير مقتنع بالمشاركة أو أن الآخرين قد احتلوا الساحة. يلح عليك الوطن لإعلان موقفك، تتجاهله متعلقا بمبادئ الحياد وبكل خيوط الوسط.
مع هيجان الشعوب العربية بدأ المحايدون يتقلصون، صارت السلبية صفة سيئة السمعة والحياد تهمة. من غير المعقول أن ينزل شباب دون العشرين للساحة لا يحميهم سوى أجسادهم وتلزم أنت بيتك وصالونك الثقافي الخاص وأحاديثك العائلية التي تخشى أن يتسرب شيء منها للخارج.
بعد لقائي مع الأستاذ وائل الابراشي في برنامجه الحقيقة على قناة دريم بخصوص هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية، وبعد أن قامت قيامة البعض ولم تقعد بسبب تصريحاتي التي جئت بها من الحقيقة وصادف أن تظهر في برنامج يحمل اسمها، دخلت بجدل مع صحافي سعودي شهير. اتصل بي لينصحني كيلا أعلن عن مواقفي لأن الحياد صفة أساسية في الإعلامي. تقصد أن أخون؟
نعم أكون محايدة في المادة الصحافية فأنقل الخبر كاملاً وأكون محايدة فأعرض كل الآراء والتزم الحياد ببرنامجي التلفزيوني وأحاور التيارات المختلفة، حتى حين عقدت حلقة عن الهيئة حاولت ألا أميل لأي طرف. أريد أن أسمع ويسمع المشاهد كل وجهات النظر. لكن أن أرى تخبطاً في وطني وأتوقف عن الكتابة أو إبداء الرأي وألزم الخرس باسم الحياد. مستحيل.
حتى البرنامج التلفزيوني يجب أن يكون له موقف من قضايا محسومة ولا تحتمل الحياد كالفساد مثلاً. الصحافي الشهير لا يتداول مواقفه سوى أفراد عائلته، لا أحد يعرف عما يدور بذهنه. هذه هي المهنية بنظره.
إن كانت مؤسسات المجتمع المدني غائبة وكان البرلمان بالتعيين لا الانتخاب أي لا يمثل الشعب تمثيلا حقيقياً، وكانت الجرأة لدى المواطن الغلبان غائبة وكان الإعلامي محايدا… فمن يتكلم إذاً؟
اليوم ووسط غياب كل وسائل الاتصال بين القمم والقاعدة العريضة فإن الإعلامي هو وسيلة الشعب الوحيدة لإيصال أصواتهم للناس الي فوق. هو ليس موظفاً عادياً من حقه أن يختار شعور الخوف. من قرر دخول الإعلام قد قرر دخول ساحات معارك لا نهاية لها، ومن يدخل القتال يعلم أن احتمال حياته متساو مع احتمال عدمها، رغم أنه قتال محسوم النتيجة لأن النصر دائما حليف حرية الكلمة وإن راح صاحبها. الإعلامي يكشف عن المستور، يفضح، يثير، ينتقد، ويلقي الذعر لدى المسؤولين حين يشعرهم أنه يقف لهم بالمرصاد. لن يمر هذا كله دون أثمان. لكنها برأيي سعادة، وكل سعادة لها فجواتها.
لا أسمي الخسائر أثماناً ولا أسميها خسائر. أنظر فقط للمكسب الحقيقي اللاثمن له، وهو الكشف عن الأخطاء والانتصار للمواطن وللظلم. ولا أسمي صفحات الرأي ساحات قتال. إنما ساحات تحرر. 
أما أن يستكين الإعلامي ويتحول لببغاء يردد ما يسمع ويقرأ(سواء بالصحافة الورقية أو التلفزيونية) فهذه خيانة للمهنة التي لا تعرف الحياد المطلق في إعلان المواقف الحاسمة وعودته إلى منزله أفضل له من تشويه المكان الأكثر حرية ودفاعا عن العدالة.
الإعلامي اللاموقف له هو شاعر البلاط الذي أتحدث عنه دائماً، إعلامي المديح، سليل شعراء السلطان. النفاق، التقلب، الازدواجية. تلك صفاته الاساسية.
مقاله اليوم يختلف مئة درجة عن مقاله في الغد، ومقال بعد غد قد يعود ليطابق مقاله اليوم. بوق يتبع السلطة. يتبعها باندفاع يخجل منه حتى الأطفال.
أجبته: مارست الإعلام لأنه رسالة ثم إن الإعلامي ليس موظفا هدفه راتب آخر الشهر فقط. هو محارب مشارك رئيسي في الشأن العام.
رد الشهير: أنا دخلت الإعلام لأتقاضى راتباً آخر الشهر. وما علاقتي بما يحدث؟
كيف لا يخجل وهو يعلن عن خيانته؟
باسم الحياد المهني يتخفى وراء نفاقه وخوفه. باسم الحياد المهني يخفي الصدق ويربت على أكتاف كل المسؤولين.
هذه مهنة لا تعرف الخوف. عن نفسي أكره هذا الشعور، سبق وقمت بأشياء مجنونة في حياتي لأتخلص منه.
قلت له أخيراً انظر للثوار من حولك لتعرف ماذا يعني الحياد وما يعنيه الموقف
مبروك للثوار المصريين عيد حريتهم ومبروك مقادير الجرأة التي أمدوا بها العالم من حولهم، وشعور الخوف العربي المريع الذي تحدوه وقضوا عليه بصراخهم وأجسادهم. الشهداء منهم والأحياء.